توفى سنة ٤٢٢. وكان محمود قد توفى قبله، وصمم السلاجقة بقيادة طغرلبك على الانتقام، فاشتبكوا مع مسعود الغزنوى فى سلسلة حروب انتهت باستيلائهم على خراسان فى سنة ٤٢٩ وحاول مسعود أن يسترجعها، ولكنه هزم هزائم متوالية فى السنتين التاليتين، وأعلن طغرلبك نفسه ملكا على البلاد، كما مرّ فى قسم العراق. ومضى يستولى على ما كان بيد الغزنويين من إيران الوسطى والجنوبية، واستولى على طبرستان وجرجان وبلاد الجبل.
واعترف الخليفة «القائم بأمر الله» بتلك الدولة السنية الناشئة وأمر بأن يذكر اسم طغرلبك فى الخطبة وأن يضرب اسمه على النقود. وقضى طغرلبك على البويهيين نهائيا-كما مر بنا فى قسم العراق-ودخل بغداد فى سنة ٤٤٧ فى موكب رسمى، وأجلسه الخليفة معه على العرش-كما مر بنا-وخلع عليه الخلع السنية وكان يقوم بالترجمة بينهما وزير طغرلبك محمد بن منصور الكندرىّ. واتخذ طغرلبك مدينة الرىّ حاضرة له، وولى على البلدان إخوته وأبناءهم، ودانت له العراق كما دانت له إيران، وكان وزيره الكندرى هو الذى يصرّف الأمور فى دولته الواسعة وكان أدبيا شاعرا، وكان يظهر التسنن غير أنه كان فى حقيقته معتزليا.
وتوفى طغرلبك سنة ٤٥٥ وخلفه-كما مر بنا فى قسم العراق-ابن أخيه «ألب أرسلان» وكان له أخ يسمى سليمان، حاول الوزير الكندرى أن ينصبه على العرش من دونه، فلما استولى ألب أرسلان على صولجان السلطنة قبض على الكندرى، وأرسل به إلى مرو، واستبقاه بها سنة ثم أمر بقتله. وكان ألب أرسلان (٤٥٥ - ٤٦٥ هـ.) بطلا مغوار قضى على كل من ثاروا عليه، سواء فى هراة أو فيما وراء النهر أو فى فارس وكرمان.
وخضد شوكة الفاطميين مستوليا منهم على حلب ودمشق ومكة والمدينة. وأعد الروم له جيشا كثيفا قوامه مائتا ألف رجل يتقدمهم الإمبراطور البيزنطى «ديوجينس رومانوس» فأسرع إليهم فى خمسة عشر ألفا من صفوة جنوده، والتقى بهم بالقرب من مدينة خلاط فى أرمينية، وعصفت جنوده-كما مرّ بنا فى قسم العراق-بهذا الجيش الضخم منزلة به هزيمة ساحقة، استسلم على إثرها الإمبراطور خاسئا ذليلا، ونزل على الشروط التى طلبها ألب أرسلان ومنها أداء مليون دينار فدية لنفسه وعقد معاهدة لمدة خمسين عاما يتعهد فيها الإمبراطور أن تكون جيوشه على استعداد دائم لمعونة ألب أرسلان وأن يحرّر جميع أسرى المسلمين. وبينما كان يحارب الترك عند نهر جيحون منزلا بهم هزائم متوالية وافاه القدر. وكان يدّبر له هذه السلطنة المترامية الأطراف وزيره نظام الملك، وكان من أعظم رجال الإدارة والسياسة، وكان عدوا للرافضة والإسماعيلية سنى العقيدة، واشتهر-كما مرّ