بنا فى قسم العراق-بتأسيسه للمدرسة النظامية ببغداد التى أحدثت بها نهضة علمية واسعة، وأسس على غرارها مدارس اشتهرت باسمها فى أصفهان ومرو ونيسابور وبلخ وهراة وطبرستان، وعمل على تشجيع الشعراء والأدباء وألغى كثيرا من الضرائب التى كانت ترهق الشعب، وكان أشعريا شافعيا، فازدهر المذهبان الشافعى والأشعرى لعهده.
وخلف ألب أرسلان-كما مرّ فى قسم العراق-ابنه ملكشاه (٤٦٥ - ٤٨٥ هـ) وكان فى الثامنة عشرة من عمره فأدار له دولته الوزير نظام الملك إدارة حسنة، وكان ملكشاه يعجب بأصفهان ويقيم فيها أكثر أيامه، وخرج عليه بعض أقربائه، ولكنه انتصر عليهم جميعا. وأمر فى سنة ٤٦٧ ببناء المرصد العظيم الذى وضع فيه عمر الخيام وجماعة من العلماء التقويم الجلالى ويرجع تاريخه إلى عيد النّيروز فى سنة ٤٧٢. وكانت جيوشه ماتنى غادية رائحة، واستولت على كثير من مدن ما وراء النهر وفى مقدمتها سمرقند، وبلغ من خوف إمبراطور بيزنطة منه أن أرسل إليه وهو فى مدينة «كاشغر» النائية الجزية المفروضة على بلاده. ومما يدل على ما وصلت إليه إمبراطوريته الواسعة من علو الشأن أن أصحاب السفن الصغيرة الذين عبروا به وبجيشه إلى الضفة المقابلة لهم من نهر جيجون أخذوا أجرتهم صكوكا تدفع لهم فى أنطاكية بديار الشام حتى يروا مدى اتساع السلطنة. ويقال إنه ركب جواده على شاطئ اللاذقية، وخاض به البحر شاكرا ربّه على ما أنعم به عليه من هذا الملك الواسع الذى امتدّ من بلاد التتار والصّين إلى ديار الشام على البحر المتوسط، وعنى بحفر الآبار فى طريق الحجاج وتخفيف الضرائب عنهم. ودسّ خصوم نظام الملك له عنده، فأعفاه من الوزارة، ولم تلبث أن امتدت إليه يد أحد الإسماعيليين أعدائه فى الظلام، فطعنته طعنة نجلاء كانت سببا فى وفاته سنة ٤٨٥ ولم يلبث ملكشاه أن توفى بعده بشهر واحد. وبذلك ينتهى-كما مرّ بنا فى قسم العراق-عهد السلاحقة العظام.
وقام بالسلطنة بعد ملكشاه ابنه بركياروق أكبر أولاده (٤٨٥ - ٤٩٨ هـ.) ولقّب بركن الدولة، وخالفه عمه تتش صاحب دمشق وأخوه محمد صاحب أذربيجان، وله معهما وقائع كتب له فيها النصر، وكان يتعقب الباطنية الإسماعيلية-كما أسلفنا فى قسم العراق-وقتل منهم فى بعض السنوات مئات، وخلفه أخوه محمد (٤٩٨ - ٥١١ هـ.) ومضى مثله يتعقب الإسماعيلية ويستولى على حصونهم، وتولى السلطنة بعده ابنه محمود (٥١١ - ٥٢٥ هـ.) وكان شديد الحمق، فحارب عمه سنجر أمير خراسان المغوار ودارت عليه الدوائر، غير أن عمه عفا عنه وولاه العراق. وامتد حكم سنجر أربعين سنة (٥١٣ - ٥٥١ هـ.) واستقل عنه فى سنة ٥٣٥ ملك خوارزم أتسز. وحاربه الترك فى سنة