للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو القاسم الزعفرانى الشاعر يوما، فرأى جميع من حوله من الخدم والحاشية يلبسون الخزوز الفاخرة الملونة، فأنشده على البديهة (١).

كسوت المقيمين والزائرين ... كسى لم يخل مثلها ممكنا

وحاشية الدار يمشون فى ... ضروب من الخزّ إلا أنا

وكان الصاحب يكثر من إهداء الخلع إلى زواره، كما يشير أبو القاسم فما إن سمع بقوله، حتى أمر له من الخزّ بجبّة وقميص ودرّاعة وسراويل وعمامة ومنديل ومطرف (ثوب) ورداء وجورب. وكان الولاة مثل الوزراء يحيطون أنفسهم بهذا الجو المترف، فكانوا يبنون القصور ذات الأواوين الضخمة، ويروى أن أبا جعفر والى سجستان تأنق فى قصر بناه لنفسه كان مكتوبا فى صدر إيوانه (٢):

من سرّه أن يرى الفردوس عاجلة ... فلينظر اليوم فى بنيان إيوانى

أو سرّه أن يرى رضوان عن كثب ... بملء عينيه فلينظر إلى البانى

وبالمثل كان كبار الموظفين فى الدواوين وغير الدواوين يعيشون معيشة مترفة كلها زينة وأناقة، سواء أكانوا متصلين بأعمال الخراج وأموال الدولة أو غير متصلين. ويبدو أن الكتاب كانوا من أكثر هؤلاء الموظفين عناية بأناقتهم، ويلاحظ ذلك على كتّاب السامانيين العبدونىّ الشاعر فينشد (٣):

أكتّاب ديوان الرسائل ما لكم ... تجمّلتم بل متّم بالتجمّل

وكان كبار القضاة يدخلون فى هذه الطبقة لما يتقاضون من رواتب عالية ومثلهم أصحاب المظالم. وكان للقواد مكانة كبيرة، وكأنما كانوا يشركون الأمراء فى إماراتهم فأوسعوا عليهم فى الرواتب والأرزاق. ونستطيع أن نقول بصفة عامة إن كل المتصرفين فى أعمال الدولة كانوا يعيشون معيشة بذخ على حساب الشعب الكادح، فلهم القصور ولديهم الأموال والخلع التى يهبونها للشعراء والناس، وكان كثير منهم يشعر باستعلاء على أبناء الأمة ناسيا أنه يعيش من عرق جبينهم، ويشكو شاعر من هذا الاستعلاء البغيض قائلا (٤):

أكلّ من كان له نعمة ... أوسع من نعمة إخوانه

أم كلّ من كان له جوسق ... مشرّف شيد بأركانه (٥)


(١) يتيمة ٣/ ١٩١.
(٢) يتيمة ٤/ ٣٣٨.
(٣) يتيمة ٤/ ٧٧.
(٤) يتيمة ٤/ ٩١.
(٥) الجوسق: القصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>