للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم كلّ من كان له كسوة ... يبذلها فى بعض أحيانه

يرى بها مستكبرا تائها ... على أدانيه وخلاّنه

ويلحق بهذه الطبقة بل يأتى فى مقدمتها الإقطاعيون أصحاب الإقطاعات الواسعة التى كان يغدقها الأمراء على الحواشى من الوزراء والقواد والقضاة والولاة وغيرهم من أفراد الأمة. وكان النظام الإقطاعى معروفا فى إيران قبل الإسلام، ومما ساعد عليه اختلاف أصقاعها وبقاعها بين قلاع صخرية وصحار وسهول، وأخذ هذا النظام يعود منذ عصر الرشيد، حتى إذا كنا فى هذا العصر تفاقم أمره، حتى ليقول المقدسى فى القرن الرابع إن أكثر الضياع بفارس مقتطعة (١)، وظل ذلك بعد عصر بنى بويه، بل لقد اتسع فى عصر السلاجقة وأيام نظام الملك وزيرهم، فإنه لما اتسعت مملكة السلاجقة رأى أن يسلّم القرى إلى مجموعة من الإقطاعيين: قرية أو أكثر أو أقل، كل على قدر إقطاعه (٢). وعرف بجانب الإقطاع فى هذا العصر نظام الضمان، وأعدّ بدوره لظهور طبقة أخرى من الرأسماليين، إذ كان يضمن خراج الضياع وأحيانا القرى، بل أحيانا الولايات، شخص يفرض على نفسه ما لا يؤديه عنها، ويأخذ لنفسه أضعافه، وكثيرا ما كان هؤلاء الضامنون أصحاب الخراج أنفسهم، إذ تحولوا بدورهم إلى إقطاعيين وأصحاب ضياع واسعة. وكل ذلك معناه أنه كانت هناك طبقة كبيرة تملك الإقطاعات والضياع الكثيرة معتصرة دماء الشعب، وكان حسب الشخص ضيعة واحدة ليكون ثريا، وصور ذلك المعافى بن هزيم شاعر أبيورد قائلا (٣).

كفتنى ضيعتى مدح العباد ... وظعنا فى البلاد بغير زاد

غدت سكنى وخادمتى وظئرى ... وفيها أسرتى وبها تلادى

صديق المرء ضيعته وكم من ... صديق فى الصداقة مستزاد

يخونك فى المودّة من تؤاخى ... ومالك لا يخونك فى الوداد

وكان الأبناء يتوارثون عن آبائهم هذه الضياع والإقطاعات، مما أعدّ لنشوء طبقة أرستقراطية واسعة، كانت تنفق عن سعة، وكان كثير منها جوادا ممدّحا، ويلقانا ذلك


(١) أحسن التقاسيم للمقدسى ص ٤٢١.
(٢) طبقات الشافعية للسبكى (طبعة محمود الطناحى وعبد الفتاح الحلو نشر مكتبة عيسى البابى الحلبى) ٤/ ٣١٧ وبلغ من ثراء بعض الإقطاعيين فى العصر السلجوقى أن نرى فى همذان زيدا الحسنى العلوى يدفع إلى السلطان محمد السلجوقى سبعمائة ألف دينار دون أن يبيع من. أجلها ملكا أو يستدين دينارا (ابن الأثير ١٠/ ٤٧٤).
(٣) يتيمة ٤/ ١٣٢ والظئر: المرضعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>