للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوضوح فى كتب تراجم الشعراء مثل اليتيمة ودمية القصر والخريدة، إذ نجد عشرات الأسماء المجهولة تمدح أمداحا كثيرة، وحقا قال بشار:

يسقط الطير حيث ينتثر الح‍ ... بّ وتغشى منازل الكرماء

وكان ذلك سببا فى أن نلتقى بكثيرين من رعاة الشعر والشعراء فى كل بلدة.

وكانت الطبقة الوسطى تتألف من عناصر كثيرة، فى مقدمتها القضاة والفقهاء وعلماء العربية وكان لكثيرين منهم رواتب يقدّرها الأمراء أو وزراؤهم. ويدخل فى هذه الطبقة عمال الحسبة والبريد ودواوين الجيش والشهود الذين كان القضاة يقيمونهم للشهادة، فقد أصبح مثلهم مثل العمال الثابتين، وكانوا دائما موضعا للشكوى وفيهم يقول أبو عبد الله الخوزى (١):

ويل لمن عدّله القاضى ... والله عنه ليس بالراضى

تمضى القضايا بشهاداته ... وهو إلى النار غدا ماضى

وينتظم فى هذه الطبقة الصناع وأوساط التجار أما كبارهم فكانوا ذوى رءوس أموال ضخمة، وعدادهم لذلك فى الطبقة السابقة. ومن العناصر المهمة فى هذه الطبقة الشعراء الذين كان يغدق عليهم أفراد الطبقة الرفيعة الأموال والعطايا، ومثلهم المغنون والمغنيات، ودائما نلقاهم فى كل بلاط وفى كل قصر، فقد كان الشعب من كبيره إلى صغيره مولعا بالغناء.

وتأتى بعد ذلك الطبقة العامة من الرعية، وهى التى كانت تعمل فى الصناعات والتجارات الصغيرة وفى خدمة أرباب القصور، وكانت أشبه بالعبيد وخاصة من كان منها يعمل فى فلاحة الأرض إذ لا يكاد يجد ما يسدّبه رمقه، وليست هناك مهنة إلا عملت فيها هذه الطبقة حتى أحقر المهن. وكانت حياتها كلها عرقا وعنتا ومشقة لكى تملأ الطبقة العليا فى الإمارات بطونها وتكتظ قصورها بأدوات الترف واللهو والطرب.

وكان وراء تلك الطبقات أهل الذمة من المجوس والنصارى واليهود، وكان المجوس فى أوائل هذا العصر كثيرين فى إيران وخاصة فى قلاعها البعيدة، ويروى أنه وقعت فى شيراز لسنة ٣٦٩ للهجرة فتنة بينهم وبين المسلمين (٢)، ولم تكن الحكومات تتدخل فى شعائرهم ولا فى شعائر النصارى واليهود، وكان لهم محاكمهم الخاصة التى تفصل بينهم فى خصوماتهم، وكانوا يدفعون، نظير ما يتمتعون به من تسامح واسع، الجزية، وكانت أشبه بضريبة للدفاع الوطنى إذ لم يكن يدفعها إلا القادر على حمل السلاح، ولم تكن تؤديها


(١) يتيمة ٣/ ٤٢١.
(٢) ابن الأثير فى سنة ٣٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>