للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النساء ولا الرهبان ولا ذوو العاهات ولا من لم يبلغ الحلم ولا العجوز ولا الفقير البائس.

وكانت لا تتجاوز الدينار لعامتهم ودينارين لمتوسطى الثراء وثلاثة دنانير لأصحاب الثراء الطائل، وكانت تبلغ قيمة الدينار نحو اثنى عشر درهما. وكانت أبواب العمل لهم مفتوحة، وكان أكثر الأطباء وكثير من الكتبة نصارى، وكان على بن بويه ركن الدولة يستخدم كاتبا نصرانيا (١)، بل لقد اتخذ عضد الدولة كما قدمنا وزيرا نصرانيا، وكان اليهود يعملون فى أحقر المهن، فكان منهم الصباغون والأساكفة والخرّازون.

وكانت تتفنن الطبقتان العليا والوسطى فى الملبس والمطعم، فكانوا يلبسون الدّراريع وهى ثياب مشقوقة من الصدر كما كانوا يلبسون الأقبية والسّراويل والحلل المطرزة. وكانوا يلبسون الخزّ صيفا والفراء والصوف شتاء كما كانوا يلبسون الجوارب القطنية والصوفية والحريرية. وكانت النساء حرائر وجوارى أكثر تفننا فى أناقتهن، فكن يلبسن الإستبرق والسّندس والوشى، وكن يتحلين بالجواهر النفيسة من كل صنف، وكن يتعطرن بأنواع الطيب والمسك والغالية.

ومضوا يتفنون فى المطاعم، فكانوا يصنعون منها ألوانا كثيرة وخاصة فى بيوت الأمراء والوزراء، مما جعل كثيرين يعنون بالتأليف فى كتب الأطعمة، مثل ابن مسكويه، الذى أحكم كتابه فيها غاية الإحكام وأتى منه بكل غريب حسن (٢)، ومثل ابن خلاد القاضى الذى أهدى إلى ابن العميد كتابا فى الأطعمة، فأجابه بقصيدة طويلة عدّد فيها كثيرا من أنواعها التى ذكرها فى كتابه (٣). وعرفوا حينئذ توالى ألوان الطعام على المائدة بين وضع ورفع. وكانت تقدم أحيانا قبل الطعام وأحيانا بعده الفاكهة والحلوى من كل صنف.

وكانوا يمكثون بعد الطعام للسمر والشراب وسماع الغناء، وكانوا يستطيبون ذكر الفكاهات والنوادر والحكايات الدالة على اللباقة فى أثناء سمرهم ومنادمتهم على الشراب.

ومن قديم تقترن الخمر بالغناء فى إيران، حتى ليروى صاحب الشهنامه فى تربية قورش الملك الإيرانى القديم صورة مجلس شراب وغناء كان قورش يشترك فيه بنفسه ساقيا، وكأنما كانت الخمر والغناء إحدى شعائر الفرس منذ أقدم العصور (٤)، وطبيعى أن يظل ذلك ديدنهم حتى هذا العصر، بحيث يشترك فى المتاع بهما الأمراء من مثل فخر الدولة (٥)


(١) ابن مسكويه ٥/ ٤٦٤.
(٢) أخبار الحكماء للقفطى ص ٣٣٢.
(٣) يتيمة ٣/ ١٦٨.
(٤) انظر الشاهنامه نشر د. عزام ١/ ٣١٣ وتراث فارس (الترجمة العربية) ص ٢٦٣.
(٥) ابن مسكويه ٦/ ٣٨٦ وانظر فى عضد الدولة ومجالس شرابه اليتيمة ١/ ٢١٨ وابن الأثير (طبعة دار صادر-بيروت) ٩/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>