للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفقهاء والصوفية لا بين من كانوا يتخذون العربية لسانهم فحسب، بل أيضا بين من كانوا يتخذون الفارسية لسانا لهم، مثل الشيخ سعدى الصوفى المشهور المتوفى سنة ٦٩١ وله شعر عربى قليل. ولا نصل إلى عصر إسماعيل الصفوى مؤسس الدولة الصفوية (٩٠٧ - ٩٣٠ هـ‍) حتى يصبح المذهب الإمامى الاثنى عشرى عاما فى إيران إذ أعلنه مذهبا رسميا للدولة. وبذلك غلب على مذهب أهل السنة هناك حتى اليوم.

ويحتفل الشيعة وفى مقدمتهم الإمامية من قديم-كما مرّ فى العراق-بعيدين: عيد الغدير، يريدون غدير خمّ، وموعده الثامن عشر من ذى الحجة، وهو الغدير الذى يروون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى عنده لعلى بالخلافة من بعده قائلا له. أنت منى بمنزلة هرون من موسى، وهو عندهم عيد سرور يظهرون فيه الفرح والزينة، وكان أول احتفال لهم به فى عهد البويهيين، وظل ذلك ثابتا عندهم على مر السنين. أما العيد الثانى فكان مأتما كبيرا، يقيمونه يوم عاشوراء (العاشر من شهر المحرم) من كل عام حدادا على قتل الحسين وآله فيه بكربلاء، تائبين إلى الله ومستغفرين من آثام هذه الكارثة المروعة. وهذا العيد الحزين أقدم من عيد الغدير بكثير، حتى ليرجعه البيرونى إلى زمن بنى أمية، قائلا إن الناس كانوا يظهرون فيه السرور والفرح، بينما كانت العامة (يقصد الشيعة) تكره فيه تجديد الأوانى والثياب (١). وقد استحال منذ عهد البويهيين إلى يوم حداد كبير، يتراءى فيه الشيعة بأجسام ضاوية وشفاه ظامئة وعيون ساهمة باكية، ومن حولهم الشعراء يرثون الحسين رثاء حارّا مصوّرين بؤس العلويين وما احتملوا من آلام التقتيل والاضطهاد فى أيام الأمويين والعباسيين وما عانوا من صنوف البؤس والعذاب والشقاء، وكيف كانت حياتهم كلها محنا وبلاء. وصبغ ذلك الحزن العميق فى تلك الذكرى الرهيبة شعر الشيعة بسواد لا آخر له، فكله شكوى ممضة وعبرات وزفرات وأنّات.

وكان من آثار إجلال الإمامية الاثنى عشرية لأئمتهم أن أصبح حجهم إلى قبورهم فى العراق سنّة متبعة، وأصبح للأماكن والأضرحة التى دفنوا فيها قدسية خاصة عندهم، مما جعل البويهيين يهتمون بها، ولعل فى هذا الاهتمام منهم ما يدل على أنهم كانوا إمامية دلالة قاطعة، وكان أول من اهتم بذلك عضد الدولة فإنه شيد ضريحا كبيرا لقبر على بن أبى طالب بالنجف، ونقل إليه جثمانه بعد وفاته فدفن به، كما دفن به أيضا ابناه شرف الدولة وبهاء الدولة (٢). واهتم عضد الدولة أيضا بضريح الحسين، وبنى حوله حضرة


(١) الآثار الباقية للبيرونى (طبعة أوربا) ص ٣٢٩.
(٢) انظر المنتظم ٧/ ١٢٠ وابن الأثير (طبعة دار صادر بيروت) ٩/ ١٨، ٦١، ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>