للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكتبات لطلابه، مثل ابن حبّان البستى صاحب كتاب الجرح والتعديل المتوفى سنة ٣٥٤ فقد بنى بنيسابور خزانة كتب ومساكن لطلاب العلم الغرباء وأجرى لهم الرواتب. ويروى أن أبا على بن سوار الكاتب فى دواوين عضد الدولة المتوفى سنة ٣٧٢ أنشأ دار كتب فى مدينة رامهرمز على شاطئ خليج العرب وجعل فيها نفقة لمن قصدها (١).

وكان طبيعيا منذ أوائل هذا العصر أن يشغف البويهيون بالكتب وجمعها واتخاذ مكتبات خاصة لأنفسهم، وكان لديهم من ذلك ثلاث مكتبات كبيرة، أولاها مكتبة عضد الدولة، وقد رآها المقدسى ووصفها بقوله: «حجرة على حدة، عليها وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنّف إلى وقت عضد الدولة من أنواع العلوم إلا وحصّله فيها، وهى أزج (بناء) طويل فى صفّة كبيرة، فيه خزائن من كل وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوت طولها قامة فى عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوّق، عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضّدة على الرفوف، لكل نوع بيوت وفهرستات فيها أسامى الكتب، ولا يدخلها إلا كل وجيه (٢)». والمكتبة الثانية مكتبة وزيره ابن العميد، وكانت أكبر من السابقة، ويقال إنها لو حملت ما استطاع أن يحملها إلا مائة بعير (٣)، واتخذ خازنالها ابن مسكويه الفيلسوف المعروف لعصره ويقال بل اتخذه عضد الدولة، ويبدو أنه اتخذه خازنا-كما مرّ فى ترجمته-بعد وفاة ابن العميد وابنه أبى الفتح. والمكتبة الثالثة مكتبة الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة بالرّىّ، ويقال إنها كانت أضعاف مكتبة ابن العميد، إذ كان بها من كتب العلم ما يحمل على أربعمائة بعير أو أكثر. ويقال: كان فهرست خزانة الكتب بمدينة الرّىّ عشرة مجلدات (٤).

ولعل فى ذلك ما يصور مدى اهتمام أصحاب الإمارات الفارسية ووزرائهم بالثقافة العربية ومصنفاتها الكثيرة ولم يقف ذلك عند البويهيين والسامانيين والزّياريين والخوارزميين، بل امتد أيضا كما قدمنا إلى عصر الدولة السلجوقية ووزيرها نظام الملك الذى كانت مجالسه تزدان بالعلماء، وكان يحضر سماطه القشيرى وإمام الحرمين وأبو إسحق الشّيرازى، وكثر تصنيف الكتب باسمه من مثل كتاب التبصير فى الدين وتمييز الفرقة الناجية من فرق الهالكين لأبى المظفر طاهر بن محمد الإسفراينى المتوفى سنة ٤٧١. وقدّم له إمام الحرمين أبو المعالى عبد الملك الجوينى كثيرا من كتبه، وله بنى المدرسة النظامية بنيسابور وظل يدرّس فيها عشرين عاما إلى أن توفى سنة ٤٧٨ وكان يحضر دروسه أربعمائة طالب


(١) المقدسى ص ٤١٣.
(٢) المقدسى ص ٤٤٩.
(٣) ابن مسكويه ٦/ ٢٨٦ وما بعدها.
(٤) معجم الأدباء لياقوت ٦/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>