للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطب الذى اكتشف فى وضوح فرق ما بين مرضى الجدرىّ والحصبة ووضع أسسا واضحة للطب النفسى. وكان طبيعيا بعد أن تعمق العرب علوم الأوائل وفلسفاتهم أن يصبح لهم بدورهم فلاسفة نابهون. ويلمع اسم الكندى فيلسوف العرب الأول لعصر المأمون، ويلمع بأخرة من العصر العباسى الثانى اسم فيلسوف كبير هو الفارابى الذى مزج فى فلسفته بين روحانية الإسلام وأفكار فلاسفة اليونان مزجا رائعا، مصطفيا لأمته نظريات فلسفية جديدة.

وبانتهاء العصر العباسى الثانى ينتهى عصر المترجمين العظام، وندخل فى عصر جديد هو عصر الفلسفة الإسلامية الخالصة والمشاركة العلمية الخصبة، أما الفلسفة فنبغ فيها اثنان من الفلاسفة الإيرانيين البارعين هما ابن سينا المتوفى سنة ٤٢٨ والبيرونى المتوفى سنة ٤٤٠ للهجرة.

وابن (١) سينا أكبر فلاسفة الإسلام، ويلقب بالشيخ الرئيس، وقد احتفظ ابن أبى أصيبعة بترجمة شخصية له كتبها بقلمه، وهو يصور فيها حياته حتى بلغ سن الثانية والثلاثين، وفيها يذكر أن أباه من أهل بلخ وأنه انتقل منها إلى بخارى فى أيام الأمير السامانى نوح بن منصور وتولّى التصرف للسامانيين بقرية خرميثن، وفيها ولد له ابنه سنة ٣٧٠ وانتقل الأب مع أسرته إلى بخارى وعنى بتربيته فأحضر له معلما للقرآن ومعلما للأدب، وما بلغ العاشرة حتى كان قد حفظ القرآن، وأقبل على دراسة الفقه. ويذكر أن أباه كان إسماعيليا ولم يلبث أن أقبل على دراسة المنطق والهندسة والفلك على شخص متفلسف يسمى الناتلى، وكان يقرأ معه إيساغوجى وكتاب أقليدس والمجسطى، ويراه لا يفهمها حق الفهم فكان يشرحها لأستاذه. وأكبّ على علوم الأوائل والطب، وسرعان ما اشتهر وهو لا يزال غلاما فى السابعة عشرة من عمره. واستغلقت عليه الإلهيات حتى قرأ بالصدفة فيها كتابا للفارابى، حلّ له مستغلقاتها. وحدث أن مرض الأمير نوح بن منصور فاستدعوه لمعالجته بعد أن عجز الأطباء عن مداواته، ويكون شفاؤه على يديه، فيوظفه عنده ويغدق عليه


(١) راجع فى ابن سينا وترجمته صوان الحكمة للبيهقى ص ٥٢ والقفطى ص ٤١٣ وابن أبى أصيبعة ص ٤٣٧ وابن خلكان ٢/ ١٥٧ وروضات الجنات ص ٢٤١ ولسان الميزان ٢/ ٢٩١ وكتاب لكارادى فوعنه (طبع باريس) ومقالته عنه فى دائرة المعارف الدينية والأخلاقية نشر هيستنجر (أدنبرة ١٩٠٩) ٢/ ٢٧٢ وبراون (ترجمة د. إبراهيم أمين الشواربى) ص ١١١، ١٢١ وتاريخ الفلسفة فى الإسلام لدى بور ص ١٦٤ ودائرة المعارف الإسلامية وما بها من مراجع والعلم عند العرب لألدومييلى ص ١٩٧ وكتاب مؤلفات ابن سينا لفؤاد سيد ولقنواتى. وانظر ترجمته بقلمه وتعليقنا عليها فى كتابنا «الترجمة الشخصية» طبع دار المعارف ومقالا لنا عن لغة ابن سينا فى العدد رقم ٦٩١ من مجلة الثقافة، وهو عدد خاص بعيده الألفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>