للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظن ظنّا أنه سمى بذلك لنبوغه فى شعره وتفوقه فيه، ومن أكبر الدلالة على ذلك أننا نجد مجموعة من الشعراء المخضرمين والإسلاميين تلقّب بنفس اللقب مثل النابغة الجعدى والنابغة الشيبانى والنابغة التغلبى، ويميّز هو منهم باسم النابغة الذبيانى.

ولكننا نعرف شيئا واضحا عن نشأته ولا عن شبابه، وكل ما يحرص الرواة على قوله هو أنه كان من أشراف ذبيان وبيوتاتهم، وقد يكون فى مصاهرة يزيد أخى هرم ابن سنان له وهو من أشراف ذبيان ما يقطع بذلك. وإذا كنا نجهل نشأته وشبابه فإن فى شعره وأخباره ما يصور لنا الشطر الثانى من حياته، وهو شطر بدأه بالنزول على النعمان بن المنذر أمير الحيرة (١) ولزومه له يمدحه ويتغنى بمناقبه. ومعروف أن قبائل نجد كانت تدين بالولاء للمناذرة منذ قضوا على دولة كندة، وكانت تدخل ذبيان فى هذا الولاء، فطبيعى أن يقصد شاعرها النابغة النعمان بن لمنذر وأن يضفى عليه مدائحه. وسرّ النعمان بوفوده عليه، فقر به منه ونادمه، وأجزل له فى العطايا والصلات، حتى أصبح شاعره الفذّ، وكان بلاطه يموج بالشعراء من أمثال أوس ابن حجر التميمى والمثقّب العبدى ولبيد العامرى ولكن أحدا منهم لم يكرمه إكرام النابغة، وقد صور ذلك فى معلقته، إذ يقول:

الواهب المائة المعكاء زيّنها ... سعدان توضح فى أوبارها اللّبد (٢)

والأدم قد خيّست فتلا مرافقها ... مشدودة برحال الجيرة الجدد (٣)

والرّاكضات ذيول الرّيط فانقها ... برد الهواجر كالغزلان بالجرد (٤)

والخيل تمزع غربا فى أعنّتها ... كالطّير تنجو من الشّؤبوب ذى البرد (٥)


(١) واضح أننا لم نعتد بما ذهب إليه بعض الرواة من أن النابغة لحق عمرو بن هند ومدحه بقصيدة مطلعها: أتاركة تدللها قطام وضنا بالتحية والكلام وأغلب الظن أنها منتحلة عليه، وهى ليست على كل حال فى رواية الأصمعى الديوان، وروى الشنتمرى عن أبى عبيدة أنه مدح بها عمرو بن الحارث الغسانى.
(٢) المعكاء: الغلاظ القوية، ويريد الإبل. توضح: موضع. السعدان: مراع. لبد الشعر: ما تلبد منه.
(٣) الأدم: النوق البيض. خيست: ذللت. فتلا مرافقها: كناية عن قوة خلقها ومتانتها.
(٤) الراكضات: الساحبات. الريط: ثوب طويل. فانقها: نعمها. الجرد: موضع.
(٥) تمزع غربا: تسح سحا شديدا. الشؤبوب: السحاب أو دفعات مطره.

<<  <  ج: ص:  >  >>