للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كان يعطيه المائة من الإبل الموثقة الخلق المذللة كما كان يعطيه القطيع من الخيل، غير الجوارى المنعمات. على أن حادثا حدث اضطره إلى مغادرة بلاط المناذرة والتوجه توّا إلى بلاط الغساسنة، إذ أوقعوا بذبيان وأحلافهم من بنى أسد وقعة منكرة على أثر تعدّيهم على وادى أقر الخصيب، وكانوا قد حموه ومنعوا أن ترتاده القبائل، وارتادته ذبيان وأسد، فنكلوا بهما تنكيلا فظيعا، وسبوا كثيرا منهما ومن نسائهما. فألم النابغة ألما شديدا صوّره فى قوله:

لقد نهيت بنى ذبيان عن أقر ... وعن تربّعهم فى كلّ أصفار (١)

وقلت يا قوم إن اللّيث منقبض ... على براثنه لوثبة الضارى (٢)

لا أعرفن ربربا حورا مدامعها ... كأنّ أبكارها نعاج دوّار (٣)

ينظرن شزرا إلى من جاء عن عرض ... بأوجه منكرات الرّقّ أحرار (٤)

يذرين دمعا على الأشفار منحدرا ... يأملن رحلة حصن وابن سيّار (٥)

وواضح أنه يصور نساء ذبيان وقد أسرن، وهن يذرفن الدموع ويتلفتن يمينا وشمالا، لعل بطلى قومهما حصن بن عيينة وزبّان بن سيار يقدمان بالجيوش، فيخلصانهن من ذل الأسر والعار. وفى بعض الروايات أنه كان بينهن إحدى بناته.

وعرض لما صنعت جيوش الغساسنة ببنى أسد، فقال فى قصيدة أخرى مصوّرا ما أصابهم من الجهد والبلاء:

لم يبق غير طريد غير منفلت ... وموثق فى حبال القدّ مسلوب (٦)

أو حرّة كمهاة الرّمل قد كبلت ... فوق المعاصم منها والعراقيب (٧)


(١) أقر: واد. تربعهم: إقامتهم وقت الربيع. أصفار: شهور الربيع جمع صفر.
(٢) البراثن: الأظفار. الضارى: متعود الافتراس.
(٣) الربرب: القطيع من بقر الوحش، تشبه النساء به. حورا: جمع حوراء، وهى العين الجميلة واضحة البياض والسواد. النعاج: إناث البقر. دوار: اسم صنم كن يطفن به فى الجاهلية.
(٤) النظر الشذر: النظر بمؤخر العين. عرض: جانب.
(٥) الأشفار: جمع شفر، وهو هدب العين.
(٦) القد: شراك كانوا يشدون به الأسير.
(٧) المهاة: البقرة الوحشية. المعصم: موضع السوار.

<<  <  ج: ص:  >  >>