للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعتزلة يحتكمون دائما فى الإلهيات إلى العقل فاحتكم معه إلى الشرع والأدلة السمعية من القرآن والسنة. وتوسط بين المحدثين والمعتزلة فى فكرة خلق الإنسان لأفعاله، فقال إن هذه الأفعال لله صنعا وللإنسان كسبا وإرادة، فالإنسان يريدها والله يخلقها. وقال، فى مسألة خلق القرآن التى أحدثت فتنة بين المحدّثين والمعتزلة فى زمن المأمون والمعتصم والواثق، إن الألفاظ المنزلة بالوحى دلالات على الكلام الأزلى والدلالة مخلوقة محدثة، وقال إن صفات الله ليست هى عين الذات الإلهية كما قال المعتزلة ولا هى أحوال كما قال أبو هاشم الجبّائى المعتزلى وإنما هى زائدة على الذات قائمة بها.

وإنما أطلنا فى الحديث عن مذهب الأشعرى لأنه المذهب الذى ساد طوال هذا العصر فى أغلب البيئات الإسلامية وخاصة بين الشافعية والمالكية، وكان المذهب الشافعى-كما مر بنا-منتشرا فى شرقى إيران، وكان أصحابه جميعا أشاعرة، ولم يلبث نظام الملك الوزير السلجوقى المشهور أن أسس لهذا المذهب الكلامى وبالمثل لقرينه المذهب الشافعى كراسى فى جميع المدارس التى أنشأها-كما مر بنا-فى إيران والعراق، فازدهر المذهب ازدهارا عظيما، وانتصر فعلا على المعتزلة والسلفيين من أهل السنة جميعا، إذ أصبح المذهب الرسمى آنذاك وكان من أهم رجاله إمام الحرمين الجوينى الذى ذكرناه بين الفقهاء، وكان أعلم أهل زمانه بعلمى الكلام والفقه الشافعى وبنيت له المدرسة النظامية بنيسابور كما أسلفنا، ونرى الشهرستانى يشرح على لسانه رأيه المتوسط فى أفعال العباد وأنها لله خلقا وللناس كسبا يقول: إن نفى هذه القدرة والاستطاعة (عن الإنسان) مما يأباه العقل والحس، وأيضا إثبات قدرة لا أثر لها بوجه كنفى القدرة أصلا. . فلابد إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة لا على وجه الإحداث والخلق، فإن الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم، والإنسان كما يحس من نفسه الاقتدار يحس من نفسه أيضا عدم الاستقلال فالفعل يستند وجوده إلى القدرة، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة، وكذلك يستند سبب إلى سبب آخر حتى ينتهى إلى مسبب الأسباب، فهو الخالق للأسباب ومسبباتها المستغنى على الإطلاق، فإن كل سبب مهما استغنى من وجه محتاج من وجه، والبارئ تعالى هو الغنى المطلق الذى لا حاجة له (١). وخلف الجوينى تلميذه الغزالى، فقاد هذا المذهب إلى النصر الحاسم، وظل أعظم المذاهب الكلامية طوال العصر.

وكان يعتنقه الشافعية كما أسلفنا فى إيران وغير إيران، أما الحنفية فكانوا يؤثرون على


(١) انظر الملل والنحل للشهرستانى (طبعة مصطفى البابى الحلبى وتحقيق الكيلانى) ١/ ٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>