للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الأشعرى مذهبا متوسطا مثل مذهب الأشاعرة لعلم من أعلامهم، وهو مذهب الماتريدى (١) محمد بن محمد بن محمود المتوفى بسمرقند سنة ٣٣٣ وكان التنافس شديدا بين الماتريدية والأشعرية، وكانوا أقرب من الأشعرية إلى المعتزلة، ويمكن معرفة موقفهم هم والأشاعرة والمعتزلة جميعا من مسألة الإيمان بالله فالمعتزلة يقولون بأن الوسيلة إلى ذلك التى توجبه هى العقل، ويقول الأشاعرة بل الوسيلة الموجبة هى الشرع الذى يحتم علينا الإيمان بالله، ويتوسط الماتريدية بين الطرفين فيقولون إن أساس الإيمان بالله الشرع كما يقول الأشاعرة، ولكن هذا الإيمان يدركه العقل فالعقل وسيلة فيه. ومثلا فى مسألة الصفات الإلهية كان المعتزلة يقولون بأنها عين الذات الإلهية، وقال الأشعرى إنها زائدة على الذات قائمة بها، وتوسط الماتريدية فقالوا إن الله عالم وله علم أزلى. وبينما كان المذهب الأشعرى يسود فى نيسابور كان المذهب الماتريدى يسود فى بخارى وسمرقند وآسيا الوسطى حيث يسود المذهب الحنفى فى الفقه. وكان الكرامية من الصوفية خاصة يحملون على المذهب الأشعرى، ومعروف أنهم كانوا يغلون فى التشبيه. وعلى كل حال أخذت كفة المذهب الأشعرى تعلو حتى فى بيئات الماتريدية منذ اتخاذه عقيدة رسمية للسلاجقة فى عهد وزيرهم نظام الملك. وظل المعتزلة ينازعونهم طوال هذا العصر، حتى فى نيسابور نفسها وحتى منذ عهد نظام الملك أو قل قبله بقليل فإن الوزير السابق له أبا نصر منصور بن محمد الكندرى حسّن لسلطانه طغرلبك السلجوقى أن يمنع الأشاعرة من الوعظ والتدريس وأن يعزلهم عن الخطابة، ونشبت بذلك فتنة (٢) فى نيسابور بين الأشاعرة والمعتزلة، ولم يلبث الوزير أن قتل وخلفه نظام الملك فازدهر المذهب الأشعرى منذ هذا الحين كما ذكرنا.

وكان أهل السنة الحنابلة يخالفون الأشعرية فى الأخذ بفكرة التأويل المجازى للآيات والأحاديث التى قد تدل على التشبيه والتجسيد للذات الإلهية، دون إثباتهما، ومعروف أن الأشعرى كان يقول إزاء مثل هذه الآيات كما فى قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان) إن ذلك يفهم ولكن بلا كيف، حتى لا يأخذ بفكرة التشبيه، وكان أهل السنة الحنابلة يأخذون مثله بظاهر الآيات مع الإيمان بتنزيه الله عن التشبيه والتمثيل وكانوا يرون أن كلام الله قديم وأن القرآن لذلك غير مخلوق، بينما توسط الأشعرية، وقالوا إن كلام الله قديم ولكن


(١) انظر فى ترجمة الماتريدى الأنساب للسمعانى ٤٩٨ والفوائد البهية ص ٩٥ والجواهر المضية لابن أبى الوفا ٢/ ١٣٠ وابن قطلوبغا ص ٥٩ وشرح الإحياء للزبيدى ٢/ ١٥ ونشر له الدكتور فتح الله خليف كتاب التوحيد الذى يصور مذهبه الكلامى، وهو كتاب نفيس.
(٢) راجع فى هذه الفتنة طبقات الشافعية للسبكى ٣/ ٣٨٩ وترجمات عبد الكريم القشيرى والجوينى وأبى سهل بن الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>