للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم يردون الموت عند لقائه ... إذا كان ورد الموت لا بدّ أكرما

وكأنه يحرّض قومه أن يعودوا إلى السّلم مع عبس مستنصرين بها ضد أعدائهم، ففيها شجاعة وجرأة وإقدام وغناء فى الحروب. وليس فى شعره أى إشارة لوعيد أو تهديد لعبس، وكأنه كان يبقى على القربى والرحم بينه وبينها، فهو لا يتوعدها غارة ولا يندد بالوقائع التى انتصرت فيها قبيلته. ولكن إذا كان قد ترك عبسا فقد تعرض لعامر حليفتها يهددها ويهدد سادتها وأبطالها من مثل زرعة بن عمرو وعامر بن الطفيل بغارات شعواء لقومهما تسبى فيها الأطفال والنساء. وحاول زرعة وبعض بنى عامر أن يدفعوا ذبيان لنقض ما بينها وبين أسد من حلف وعقد حتى تحقن الدماء، وعلم النابغة بذلك وأن عيينة بن حصن وبعض الذبيانيين يفكرون فى الأمر، فتولى غضبا ينشد القصائد مسفها بنى عامر وعيينة وداعيا قومه إلى الوفاء بما بينهم وبين أسد من العهود والعقود، وفى ذلك يقول قصيدته:

فانت بنو عامر خالوا بنى أسد ... يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (١)

يأبى البلاء فلا نبغى بهم بدلا ... ولا نريد خلاء بعد إحكام (٢)

وتوجه إلى عيينة يعنفه تعنيفا شديدا فى قصيدة أخزى، يقول فى تضاعيفها:

إذا حاولت فى أسد فجورا ... فإنى لست منك ولست منى

وهو موقف يدل على نبله وحرصه على الوفاء، ويدخل فى ذلك مدحه لبنى أسد وإشادته بشجاعتهم وبلائهم فى الحروب.

وجميع أخباره وأشعاره الصحيحة تدل على أنه كان سيدا شريفا من سادات قومه، فهو لا يتفتّى تفتى امرئ القيس وطرفة وأضرابهما، بل يتراءى سيدا وقورا ذا خلق وشيم كريمة، فهو لا يتدنى فى سفاهة ولا يتبذل فى مجون. وفى أشعاره بعض إشارات مسيحية، وقد جاءه ذلك من إقامته الطويلة فى الحيرة ولدى الغساسنة وكأنه استمع إلى بعض ما يقوله الأحبار والرهبان، ولكن لا شك فى أنه كان على دين


(١) خالوا: من المخالاة وهى نقض العهد.
(٢) البلاء: يقصد بلاءهم معهم فى الحرب. الخلاء: نقض العهد كالمخالاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>