للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آبائه يتعبّد العزّى وغيرها من آلهتهم الوثنية، ويختلف معهم إلى الحج بمكة، وفى معلقته:

فلا لعمر الذى مسّحت كعبته ... وما هريق على الأنصاب من جسد

فهو يقدس الدماء التى كانت تصبّ على الأنصاب.

وكان فيه حكمة، وهى مبثوثة فى شعره، ويقول ابن حبيب إنه ممن حرّم الخمر والأزلام فى الجاهلية (١). وهو بذلك كله يبدو سيدا وقورا. ويظهر أنه نال شهرة واسعة فى عصره لا عند أمراء الحيرة والغساسنة فحسب بل أيضا فى داخل الجزيرة وبين الشعراء، إذ كانوا يعرضون عليه فى المواسم والأسواق أشعارهم.

قال صاحب الأغانى: «كان يضرب للنابغة قبّة من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء، فتعرض عليه أشعارها. وحدث ذات مرة أن أنشده الأعشى أبو بصير، ثم حسان بن ثابت ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشّريد:

وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم فى رأسه نار (٢)

فقال: والله لولا أن أبا بصير أنشدنى آنفا لقلت إنك أشعر الجن والإنس، فقام حسان فقال: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك، فقال له النابغة: يا بن أخى أنت لا تحسن أن تقول:

فإنك كالليل الذى هو مدركى ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

خطاطيف حجن فى حبالى متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع (٣)

فخنس حسان لقوله (٤)». وفى رواية أخرى أنه لما غضب حسان وقال له أنا أشعر منك ومن أبيك قال له حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:

لنا الجفنات الغرّيلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما


(١) المحبر لابن حبيب (طبع حيدرآباد) ص ٢٣٨.
(٢) العلم هنا: الجبل.
(٣) خطاطيف: جمع خطاف وهو حديدة حجناء تستخرج بها الدلاء من البئر، حجن: جمع حجناء وهى المعوجة. نوازع: حواذب. ويقصد قصائده التى يستعطفه بها.
(٤) أغانى ١١/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>