زائل، وسننشد قطعة من هذه اللامية فى حديثنا عن شعراء الحكمة والفلسفة.
ولا ندرى كيف رغب ثانية فى العمل لدى السلاجقة، إذ نراه يقصد إمارة السلطان مسعود بالموصل سنة ٥١٣ ويعيّنه وزيرا له، وتنشب الحرب بين مسعود وأخيه السلطان محمود وتدور الدوائر فى سنة ٥١٥ على مسعود وجيشه ويؤسر الطّغرائى ويقتل بتهمة الزندقة. ويبدو أن خصومه استغلوا عكوفه على الكيمياء، فاتهموه بالسحر والإلحاد، واستمع السلطان محمود إلى اتهامهم له وأمر بقتله. والشكوى كثيرة فى أشعار الطّغرائى وتكفى منها لاميته السالفة. وفى ديوانه مقطوعات غزلية كثيرة يستوحى فيها حجازيات الشريف الرضى ومهيار، ومن طرائف غزله:
يا قلب مالك والهوى من بعد ما ... طاب السلّو وأقصر العشّاق
أو ما بدا لك فى الإفاقة والألى ... نازعتهم كأس الغرام أفاقوا
يا حبّذا نجد وأعراق الثّرى ... لدن وأنفاس النعيم رقاق
وكان يدعو إلى مجلس الشراب أحيانا وسماع المثالث والمثانى والانتشاء بالخمر فى مباهج الربيع. وطبيعى أن يتردّد الفخر فى أشعاره، على نحو ما ترددت منه رنات فى لاميته، وله يفتخر بثقافته الواسعة وإلمامه بشتى العلوم:
أما العلوم فقد ظفرت ببغيتى ... منها فما أحتاج أن أتعلّما
وعرقت أسرار الخليفة كلّها ... علما أنار لى البهيم المظلما
واشتهر كما قدمنا بمعرفته العميقة بالصنعة أو كما نقول الآن علم الكيمياء، وله فيها أشعار يضمها مخطوط تحتفظ به مكتبة جامعة القاهرة بعنوان مفتاح الرحمة ومصابيح الحكمة، ونقل منها الدكتور على جواد الطاهر طائفة (١) تصور هذا الضرب من شعره العلمى أو التعليمى. ويكثر عند الطغرائى ومعاصريه جميعا معارضته الشريف الرضى ومهيار فى بعض قصائدهما، بل أيضا معارضته من سبقهما من الشعراء، وربما كانت لاميته السالفة أروع قصائده من حيث السبك والصياغة، ومع ذلك حاول الصفدى فى شرحه لها جاهدا أن يرد معانى أبياتها بيتا بيتا إلى سابقيه. وكان الطغرائى كشعراء عصره يتصنع لفنون البديع ولكل ما أتوا به من فنون التكلف، وفى الحق أنه كان شاعرا بارعا، وبلغ من إعجاب السابقين به وبلاميته أن عارضها منهم كثيرون، كان آخرهم البارودى فى لامية له مشهورة.
(١) انظر الشعر العربى فى العراق وبلاد العجم فى العصر السلجوقى ٢/ ١٥٥.