ويتحدث فى نفس القصيدة عن مقاومة السلطان محمد للباطنية الحشاشين وقضائه المبرم على ابن عطاش فى حصن «شاه دز» بقرب أصفهان واستيلائه على قلعته، على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع. ويتولى السميرمى الوزارة ويتوفى السلطان محمد ويخلفه ابنه محمود وتفسد العلاقة بين الطغرائى والوزير، ويرحل إلى بغداد وينبو به المقام فيذم فى بائية مقامه فى العراق مستهلا ذمه بقوله:
مللت ثوائى بالعراق وملّنى ... رفاقى وكانوا بالعراق طرابا
وينظم حينئذ لاميته التى اشتهرت خطأ باسم لامية العجم، وقائلها عربى كما مر بنا فى نسبه، وليس فيها أى تعصب للعجم ضد العرب، ولعلها سمّيت بذلك لأن قائلها كان يعيش فى بلاد العجم وجعلها على روىّ لامية العرب للشنفرى وقد نالت شهرة واسعة منذ عصره وشرحها الأسلاف مرارا وأهم شروحها شرح الصفدى، وموضوعها الشكوى من الزمان وأهله، شكوى لا تنكسر فيها نفسه، بل يظل له طموحه وتظل له صلابته، وتظل له فضائله التى يفخر بها، وهو يستهلّها بقوله:
أصالة الرأى صانتنى عن الخطل ... وحلية الفضل زانتنى لدى العطل
وربما أشار بالعطل إلى تعطله من وظيفته الديوانية حنيئذ، أو ربما يشير إلى ما حدث له أحيانا من هذا العطل ويهتف:
فيم الإقامة بالزّوراء لا سكنى ... بها ولا ناقتى فيها ولا جملى
ويشكو طويلا الغربة بالزوراء (بغداد) وأن لا صديق له فيها ولا أنيس سوى الوحشة وبعد الوطن والدار، مع بوار الأمانى وانعكاس الآمال. ويرحل مع صديق، ويقتربان من حىّ إضم بالقرب من المدينة، حى الحبيبة التى ضرب إليها أكباد الإبل، ولكن دونها الحماة بالسهام والبيض والسّمر، أو السيوف والرماح، والأسد رابضة حول الكناس.
ويتمنى إلمامة بالحى تبرئه من علله، بل ليتمنى الموت فى سبيل نظرة، وكل هذا رمز عن مطامحه التى لا يستطيع تحقيقها، وإنه ليصرّح بأن طالب المجد لابد له أن يغامر وأن يركب الأخطار، فإن لم يتحقق له فى بلدة طلبه فى أخرى، ويصيح:
إن العلا حدّثتنى وهى صادقة ... فيما تحدّث أن العزّ فى النّقل
ويقول إنه لا يزال يعلل نفسه بالآمال فى أن تقبل عليه الأيام ثانية. ويشكو من الدهر ومن الناس، مع شعور غير قليل بالكرامة، ومع التحذير الشديد من الأصدقاء الأدعياء قبل الأعداء. ويختم القصيدة بالدعوة إلى القناعة ورفض المناصب فكل ما على الدنيا ظل