للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرة، وقصيدته (١) فى دمار بغداد أكثر من تسعين بيتا استهلّها بقوله:

حبست بجفنىّ المدامع لا تجرى ... فلما طغى الماء استطال على السّكر (٢)

ويتمنى لو مر به نسيم صبا بغداد فأحيا نفسه، ويصور حزن مدرسة المستنصرية على علمائها الراسخين فى العلم وكيف تبكى المحابر أئمتها وجهابذتها، وهو يندب ويبكى ويذرف الدموع، ولا يطيق صبرا ولا سلوانا قائلا:

أيا ناصحى بالصّبر دعنى وزفرتى ... أموضع صبر والكبود على الجمر

ويقول تحولت دجلة دما قانيا، ويرثى الخليفة الشهيد: المستعصم والشهداء الأبرار ويهنئهم بالفردوس، ويتحدث عن سبايا المسلمين، والمغول يسوقونهن فى الصحراء.

والقصيدة كلها تفجع وتحسر على مصير بغداد ذات التاريخ العربى المجيد وكيف وقعت فريسة لذئاب المغول الكاسرة.

ولم نتحدث حتى الآن عن مراثى الشيعة للإمام على بن أبى طالب والحسين، ولا ريب فى أنها كانت كثيرة، إذ انتشر التشيع فى إيران منذ عصر بنى بويه، واعتاد الشيعة أن يعقدوا سنويا مأتما كبيرا فى يوم عاشوراء حدادا على الحسين وذكرى حزينة لاستشهاده، وكان الشعراء يرثون الحسين فى تلك الذكرى القاتمة مراثى كلها أنين وزفرات. ونشر الشيخ محمد آل ياسين للصاحب ديوانا وفيه غير قصيدة فى رثاء الحسين، ونراه يألم ألما شديدا لهذه الجريمة البشعة، التى مثّل فيها بحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يكرر فى مراثيه الأنين والبكاء والدمع المدرار. وله شعر كثير فى فضائل على بن أبى طالب يدخل فى الشعر الشيعى بعامة، وفيه يتحدث عن نظرية الوصية بالإمامة لعلى بن أبى طالب المعروفة عند الشيعة الإمامية وعن سابقته فى الإسلام وحروبه المظفرة وحقوقه فى الخلافة.

ويكثر الحديث عند الشيعة عن الإمام محمد المهدى المختفى ورجعته ليرد حق أسرته الضائع ويعيد سنن الشريعة. والأشعار المتصلة به تغرق لا فى الرثاء، بل فى المديح، مثل الأشعار المتصلة بالإمام على، ويسمونه صاحب الزمان أو قائم الزمان، وخير قصيدة تصوره قصيدة بهاء الدين العاملى المتوفى سنة ١٠٣٠ للهجرة، وهو فيها يسميه حجة الله وخليفته وظله (٣). ونتوقف قليلا عند شاعر شيعى من شعراء الرثاء.


(١) متنبى وسعدى للدكتور حسين محفوظ (طبع طهران) ص ٧٣
(٢) السكر: ما سدّ به النهر.
(٣) انظر الكشكول للعاملى (طبعة الحلبى) ١/ ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>