للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه كان يرشح من كلامه نوع تشبيب بالخلافة التى كانت لأسلافه الأمويين مدعيا استحقاقه الإمامة. فاضطرّ إلى مفارقته بغداد إلى همذان، وبقى فيها مدة يدرس ويفيد ويصنّف. وقال العماد فى الخريدة: تولى فى آخر عمره أشراف مملكة السلطان محمد بن ملكشاه (٤٩٨ - ٥١١ هـ‍)، وسقوه السم وهو واقف عند سريره لسنة ٥٠٧ فخانته قدماه وتوفى على الأثر، فحمل إلى منزله بأصفهان، ويقال: بل لم يسق السم، وكل ما فى الأمر أنه حين مثل أمام السلطان أصابه الفزع فارتعد وسقط ميتا.

ويعدّ الأبيوردى من أشهر شعراء هذا العصر، وديوانه كبير، وقد وزعه على أقسام، من أهمها العراقيات والنجديات والوجديات. وله شعر كثير فى الفخر بنسبه الأموى وبيان فضله وحقه فى الخلافة، ويقولون إنه كان إذا صلى قال: اللهم ملّكنى مشارق الأرض ومغاربها، ولعل لهذا الهوس فيه هو سبب حتفه على يد السلطان محمد، ومن شعره المعبر عن طموحه وقوة نفسه قوله:

يا من يساجلنى وليس بمدرك ... شأوى وأين له جلالة منصبى

لا تتعبنّ فدون ما أمّلته ... خرط القتادة وامتطاء الكوكب (١)

والمجد يعلم أيّنا خير أبا ... فاسأله تعلم أىّ ذى حسب أبى

جدّى معاوية الأغرّ سمت به ... جرثومة من طينها خلق النّبى

وورثته شرفا رفعت مناره ... فبنو أميّة يفخرون به وبى

وهى صورة جامحة من الاعتداد بالآباء، وأين بنو أمية فى القرن الأول الهجرى منه فى القرن الخامس؟ وهل جده معاوية أقرب رحما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم؟ إن هذا ومثله لغو وما يشبه اللغو. وهو لا يتوقف عند هذا الحد فى فخره العريض، إذ يسوقه فى شكل أحلام لا يمكن تحقيقها إذ يقول:

الناس من خولى والدهر من خدمى ... وقمّة المجد عندى موطئ القدم

والنّسر يتبع سيفى حين يلحظه ... والدهر ينشد ما يهمى به قلمى

لو صيغت الأرض لى دون الورى ذهبا ... لم ترضها لمرجّى نائلى هممى

وعن قليل أرى فى مأزق حرج ... به تشام السّريجيّات فى القمم (٢)

والبيض مردفة تبدو خلاخلها ... فى مسلك وحل من عبرة ودم


(١) القتادة: نبات له شوك كالإبر، وفى المثل: «من شديدة. دونه خرط القتاد» يضرب للشئ لا ينال إلا بمشقة
(٢) تشام: ترى. السريجيات: ضرب من السيوف

<<  <  ج: ص:  >  >>