للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمجد فى صهوات الخيل مطلبه ... والعزّ فى ظبة الصّمصامة الخذم (١)

وهو يحلم حلما غريبا بأنه سيقود معركة مظفرة تسبى فيها النساء النادبات لأزواجهن وأبنائهن وأهلهن، وتجول وتصول فيها الخيل مردية للأقران، ونسور الفلا تتبعه لتأكل من أشلاء قتلاه، والدهر ينشد مجده الحربى شعرا حماسيا ملتهبا. وطبيعى أن يقترن هذا الفخر العاصف عنده بالشكوى من الزمن الذى لا ينيله مطامحه، وهى شكوى تمتزج بغير قليل من القوة والجلد وتحمل الشدائد على شاكلة قوله:

تنكّر لى دهرى ولم يدر أننى ... أعزّ وأحداث الزمان تهون

فبات يرينى الخطب كيف اعتداؤه ... وبتّ أريه الصّبر كيف يكون

وهذا الجانب فى الأبيوردى واعتزازه بنفسه وقومه جعله يستشعر غضبا لا حد له على الصليبيين حين أغاروا لأول مرة سنة ٤٨٨ للهجرة على بيت المقدس، وهو استشعار يحمد له، فإنه أحسّ الكارثة التى نزلت بالإسلام وأهله، حين دنّس الصليبيون بأقدامهم الحرم القدسىّ، فصاح بأعلى صوته يهيب بالمسلمين أن يذودوا عن حماهم المستباح فى قصيدة طويلة يقول فيها:

مزجنا دماء بالدموع السّواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم (٢)

وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كلّ نائم

وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكى أو بطون القشاعم (٣)

وكم من دماء قد أبيحت ومن دمى ... توارى حياء حسنها بالمعاصم

أترضى صناديد الأعاريب بالأذى ... ويغضى على ذلّ كماة الأعاجم

فليتهم إذ لم يذودوا حميّة ... عن الدين ضنّوا غيرة بالمحارم

والقصيدة استنفار قوى للمسلمين من العرب والأعاجم كى يقفوا سدّا منيعا دون حماهم وحمى الإسلام يذودون عنه بسلاحهم وأرواحهم حتى يذيقوا الصليبيين وبال حربهم ويردوا كيدهم إلى نحورهم، وهى أولى القصائد التى أخذت طوال قرن تصوّب أبياتها، بل سهامها، إلى صدور أعداء الإسلام، حتى استطاع صلاح الدين أن يستنقذ منهم بيت المقدس وغيره من ديار الشام، ويسفك دماء ملوكهم وقادتهم، وكان حقّا على الله نصر المؤمنين.

وللأبيوردى وراء ذلك مدائح كثيرة فى الخلفاء وسلاطين السلاجقة ووزرائهما،


(١) الصمصامة: السيف. الخذم: القاطع
(٢) المراجم: القبيح من الكلام.
(٣) المذاكى: الخيل. القشاعم: النسور.

<<  <  ج: ص:  >  >>