للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللفخر الرازى المار ذكره أشعار زهدية طريفة، وكان علامة فى علم الكلام والتفسير والحديث والشرعيات وعلوم الأوائل، وله فى جميعها مؤلفات كثيرة. وكان فى الوعظ آية، وكان يحضر مجالسه أرباب المذاهب والمقالات فى هراة، وكان يعظ باللسانين العربى والعجمى وكان يلحقه الوجد فى الوعظ ويكثر من البكاء، ويشتهر له قوله (١):

نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعى العالمين ضلال

وأرواحنا فى وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وكم قد رأينا من رجال ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا والجبال جبال

فكل ما فى الحياة حتى العلوم عبث وضلال، وما الدنيا؟ إننا لا نجنى منها سوى الأذى والوبال، وسوى العدم والفناء الذى يحيط بالناس جميعا وبالدول مهما عظم سلطانها، فمآلها إلى زوال. ومن كبار الشعراء الفقهاء الزهاد الإمام الرافعى القزوينى الفقيه الشافعى المشهور المار ذكره المتوفى سنة ٦٢٣ وكان له مجلس فى قزوين لسماع الفقة والتفسير والحديث النبوى، ومن قوله فى الدعوة إلى الرضا بالحظ المقسوم وحمد الله فى اليسر والعسر دائما أبدا (٢):

إن كنت فى اليسر فاحمد من حباك به ... فليس حقّا قضى لكنّه الجود

أو كنت فى العسر فاحمده كذلك إذ ... ما فوق ذلك مصروف ومردود

وكيفما دارت الأيام مقبلة ... وغير مقبلة فالحمد محمود

وكان يقول: «اعلم أن الناس فى الرضا ثلاثة أقسام: قوم يحسّون البلاء ويكرهونه ولكن يصبرون على حكمه ويتركون تدبيرهم ونظرهم حبا لله تعالى، لأن تدبير العقل لا ينطبق على رسوم المحبة والهوى، وقوم يضمون إلى سكون الظاهر سكون القلب بالاجتهاد والرياضة، وإن أتى البلاء على أنفسهم:

يستعذبون بلاياهم كأنهم ... لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا

تسّرهم البلية كما تسرهم النعمة، وقوم يتركون الاختيار، ويوافقون الأقدار، فلا يبقى لهم تلذذ ولا استعذاب ولا راحة ولا عذاب». وفى ذكر الرافعى لكلمة المحبة ما يدل على أنه كان ينزع بزهده نزعة صوفية. والتصوف كثير فى العصر ولم يكن النظم فيه يقتصر على


(١) ابن خلكان ٤/ ٢٥٠ والسبكى ٨/ ٩٦.
(٢) انظر فى الأبيات وكلام الرافعى التالى السبكى ٨/ ٢٨٦ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>