ابن الحسين البيهقى وجماعة من المشاهير، فسمع معهم الحديث ببغداد والحجاز. وعقد لنفسه فى نيسابور مجلس الإملاء فى الحديث ومجالس الوعظ منذ سنة ٤٣٧ وقصده الطلاب من كل صوب. وذكره الخطيب البغدادى، فقال:«قدم علينا بغداد فى سنة ٤٤٨ وحدّث ببغداد وكتبنا عنه، وكان ثقة، وكان يقصّ، وكان حسن الوعظ مليح الإشارة» ويقول الباخرزى واصفا وعظه: «لو قرع الصّخر بصوت تحذيره لذاب، ولو ربط إبليس فى مجلسه لتاب».
وكان يعتنق مذهب الشافعى فى الفقه والفروع ومذهب الأشعرى فى علم الكلام والأصول. وكان يجمع بين الشريعة والحقيقة، وهو-كما مر بنا فى الفصل الأول-من أوائل من رأبوا الصدع الذى كان قد تفاقم بين المتصوفة وأهل السنة، وذلك فى رسالته المشهورة التى نقلنا عنها فقرة طويلة فى الفصل المذكور، والتى وجّهها إلى الصوفية وأهل السنة، وخلفه فى هذا الصنيع الغزالى السنى. ولا ريب فى أن له فضلا كبيرا فى الجمع بين الطرفين المتعارضين وإزالة ما بينهما من خلاف، بحيث أصبح أداء الفروض الدينية جزء لا يتجزأ من التصوف، كما أصبح التصوف نتيجة طبيعية للتمسك بتلك الفروض تمسكا ينتهى إلى النسك والمحبة الإلهية، دون مغالاة من شأنها أن تدفع بالمتصوف إلى منازع فلسفية تتصل بالحلول وما إلى الحلول من اتحاد بالذات الإلهية. وتلك هى صورة التصوف السنى الذى رفع عماده القشيرى، وكان شاعرا وله أشعار كثيرة، تصور تصوفه وزهده من مثل قوله:
وإذا سقيت من المحبّة جرعة ... ألقيت من فرط الخمار خمارى
كم تبت قصدا ثم لاح عذاره ... فخلعت-من ذاك العذار-عذارى
والخمار بضم الخاء بقية السكر والخمار بكسر الخاء الحجاب. يقول إنه يسكر بنشوة الحب الإلهى، وإنه إذا أخذ يتناول جرعات تلك الخمر الإلهية رفعت الحجاب بينه وبين محبوبه. وإنه ليتوب ثم تتراءى له شواهده. فيعود ثانية إلى سكره والنشوة بحبه، أو كما يقول يخلع عذاره كناية عن أنه يتهمك فيه ويقول:
ومن كان فى طول الهوى ذاق سلوة ... فإنّى من ليلى لها غير دائق
وأكثر شئ نلته من وصالها ... أمانىّ لم تصدق كخطفة بارق
فهو لا يسلو هواه ولا يكفّ عنه، لأنه هوى يتعمق شغاف قلبه فلا يستطع انفكاكا عنه ولا خلاصا منه، هوى لا يزال يتعثر فى شباكه، ومع ذلك لا ينال من وصال المحبوب شيئا إلا أمانى تبدو له كما يبدو البرق الخاطف فى السحاب. ويقول: