للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرى قدمى أراق دمى ... وهان دمى فها ندمى

ولكنه ندم ولات حين مندم. ومن كلامه: حرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات، فوحّد الله وأنت بتعظيمه ملآن، واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان، ولو كان فى الوجود شمسان لانطمست الأركان، فأبى النظام أن يكون غير ما كان:

وخفيت حتى قلت لست بظاهر ... وظهرت من سعتى على الأكوان

والبيت يشير بقوة إلى فكرتى الحلول والاتحاد فى الذات العلية وكان يكثر من ترداد قوله:

لو علمنا أننا ما نلتقى ... ما قضينا من سليمى وطرا

والسّهروردى يشير فى وضوح إلى فكرة الشهود المعروفة عند المتصوفة وله شعر صوفى كثير من مثل قوله:

أقول لجارتى والدمع جارى ... ولى عزم الرحيل عن الديار

ذرينى أن أسير ولا تنوحى ... فإن الشّهب أشرفها السّوارى

وإنى فى الظلام رأيت ضوءا ... كأن الليل بدّل بالنهار

ويبدو لى من الزّوراء برق ... يذكّرنى بها قرب المزار

إذا أبصرت ذاك النور أفنى ... فما أدرى يمينى من يسارى

وهو يذكر فى الأبيات فكرة نور الأنوار إزاء عالم الظلمة الكثيف، كما يذكر فكرة الفناء الصوفية وكيف أنه يفنى عن كل ما حوله فلا يعود يشعر إلا بنور الأنوار أو بإلهه وما أنعم عليه-كما يتصور-بنعمة الوصال، بل بنعمة الاتحاد والاندماج بنوره. وله حائية رائعة يستهلها بقوله:

أبدا تحنّ إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والرّاح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى لذيذ لقائكم ترتاح

وا رحمتا للعاشقين تكلّفوا ... ستر المحبة والهوى فضّاح

وهو يخاطب الذات الإلهية قائلا إن كل الأرواح معلقة بها هائمة تتمنى وصالها لتجد فيه ريحانها وراحها ونشوتها التى لا تماثلها نشوة، وإن القلوب لتحن إليها دائما مشتاقة مولعة شاعرة بنعيم ما بعده نعيم، ويأسى لعاشقى الذات الإلهية، فهم لا يستطيعون إخفاء عشقهم ولا كتمانه، لدموعهم التى تقطر دائما على خدودهم سحّا وتسكابا، ويتضرّع إلى المحبوب قائلا:

<<  <  ج: ص:  >  >>