للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومه فى آخر البيت الثانى اسم فعل أمر بمعنى اكفف. وواضح أنه جلبها ليصنع منها جناسا تاما بينها ومعها الفاء وبين كلمة «فمه» فى آخر الشطر الأول. وعلى نفس الشاكلة قوله فى الخمر لصاحبه:

أوان أنت فى هذا الأوان ... عن الرّاح المروّق فى الأوانى

فقد جانس بين «وان» فى أول البيت بعد إدخاله عليها همزة الاستفهام ليتم له جناس كامل بينها وبين كلمة «الأوان» فى آخر الشطر الأول بمعنى الزمان، ثم بينهما وبين كلمة «الأوانى» فى آخر البيت جمعا لإناء. وبالمثل معاتباته وأهاجيه ومدائحه كقوله فى مديح كاتب وكتابته:

لم تر عينى مثله كاتبا ... لكل شئ شاء وشّاء

يبدع فى الكتب وفى غيرها ... بدائعا إن شاء إنشاء

والجناس الناقص واضح بين «شئ» و «شاء» و «وشّاء» أو منمق، وأتى بجناس تام فى البيت الثانى بين كلمتى «إن شاء» و «إنشاء». ويعترف بأنه سمع وهو صبى شاعرا من موطنه «بست» يستخدم الجناس فاستحسنه وأخذ نفسه بسلوك طريقته (١). وكان هو نفسه عاملا مهما فى إشاعة هذه الطريقة بين الشعراء الإيرانيين فى زمنه (٢) وبعد زمنه. وعنى غير أديب بإفراد كتب خاصة بها مثل المطوعى الذى مرّ بنا ذكره. وكان أبو الفتح يتصنع كثيرا فى شعره لاستخدام المصطلحات الفقهية والطبية والفلسفية والفلكية والنحوية كقوله مستظهرا مصطلح اللازم والمتعدى:

قال لى لما رآنى ... طالبا مالا ورفدا

إن مالى يا حبيبى ... لازم لا يتعدّى

وكان هذا التصنع وما يماثله قد أخذ يشيع فى زمنه، ومما لا شك فيه أن البستى كان من عوامل إذاعته وانتشاره فى الأوساط الأدبية الإيرانية. على أنه ينبغى أن لا نحمل على تصنع أبى الفتح لهذه المصطلحات ولأنواع الجناس بصوره التامة والناقصة، فقد كان ينفذ فى أحيان كثيرة إلى استخدام رشيق للمصطلحات والجناسات كقوله يهجو بعض خصومه، وكان يدّعى سعة الفكر والمنطق العميق:

يبنى على الفكرة أعماله ... وذاك فى التحقيق أعمى له

فقيّض الرّحمن أفعى له ... تريه فى الخلوة أفعاله


(١) اليتيمة ٤/ ٣٣٧ واسم الشاعر شعبة بن عبد الملك
(٢) اليتيمة ٤/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>