وطريف أن يعدّ أبو دلف ما يأخذه الساسانيون من الناس بتفاصحهم وخدعهم وحيلهم الأدبية جزية، ويصوّر الأرض كلها من مشارقها إلى مغاربها دارا لهم من الصين على المحيط الهادى إلى طنجة والمحيط الأطلسى، وكأن الدنيا كلها ملكهم ولا حواجز تحجزهم من نهر أو جبل أو بلد مسلم أو بلد كافر، فالدنيا كلها مسرح لأقدامهم، يصطافون فى أقاليمها الباردة، ويشتون فى أقاليمها الحارة الدافئة. ثم يأخذ أبو دلف فى وصف حيلهم وصفا مسهبا، وكيف أنهم كانوا يحتالون على النساء بما يكتبون لهم من تعاويذ وأحراز، وكيف أن القاصّ منهم كان يتفق مع صاحب له، ليفد على مجلس قصصه، فيأمر السامعين بإعطائه ما يجودون به، ثم إذا تفرّقوا عنه تقاسما ما أعطوه. ويصورهم يتباكون فى البرد القارس خداعا للناس، حتى تلين لهم قلوبهم ويعطوهم دراهمهم وكيف أنهم حين يلمّون بحوانيت الباعة يخطفون جوزة من هنا وتمرة أو تينة من هناك، وكيف يدهنون وجوههم بماء البيض الأصفر، لتبدو شديدة الصفرة، وكيف يعصبون جباههم ليوهموا الناس أنهم مرضى، وكيف يعقرون أو يجرحون أنفسهم بالأمواس، وكيف يطلون أجسادهم بالزيت حتى تسوّد جلودهم، وكيف يدارون ألسنتهم موهمين الناس أن الروم قطعوها فى جهادهم، محاولين أن يبتزّوا منهم الثياب والسلاح للغزو، وكيف يحملون البخور وأدواته للسؤال به، وكيف يحتالون على مرضى الأسنان بوضع دود الجبن بين أسنانهم ثم استخراجه، وكيف يروون للناس كذبا الحديث عن الأنبياء والحكايات القصار، وكيف يلبسون ثياب المتصوفة والرهبان احتيالا، وكيف يوهمون الناس أنهم يجمعون الأموال لأقربائهم الأسرى فى ديار الروم فداء لهم، وكيف يخفون إحدى أيديهم إيهاما بأنها مقطوعة، وكيف يخيّلون للناس أنهم كانوا يهودا أو نصارى وأسلموا، وكيف يوهمونهم بأنهم عمى لا يبصرون، وكيف يدورون بين العشائين منادين: رحم الله من عشىّ الغريب الجائع، آخذين من كل دار كسرة، وكيف يحتالون على الناس بمعرفة طوالعهم ونجومهم، وكيف يحتالون على الشيعة خاضبين لحاهم بالحنّاء مع حملهم الألواح والسّبح من الطين زاعمين أنها من قبر الحسين، مع نواحهم عليه ورواية الأشعار فى فضائله ومقتله، وكيف أنهم يحتالون لذرف الدموع بغمس قطنة فى الزيت وإمرارها على عيونهم، وكيف يستأجرون