الصبيان والنساء ويكدون أو يشحذون عليهم، وكيف يطرحون على أبواب الحوانيت السّبحات وأقراص الحلوى، وكيف يرقون المجانين وأصحاب العاهات، وكيف يموّهون بأنهم صائمون وأنهم سيحجوّن عن الناس، وكيف يعبّرون للناس رؤاهم، وكيف يستأجرون الصبيان، وكيف يحملون السّلال فيها الحيّات وقد قلعوا أنيابها، وكيف يدّعون الطبّ ومداواة المرضى، وكيف يشحذون أو يكدون على الدّببة والسباع والقردة، وكيف يرعدون رعدات شديدة تهتز لها مفاصلهم وتصطكّ أسنانهم، وكيف أنهم يشدّون أيديهم مجموعة الأصابع حتى يظنّ أنها مقطوعة، وكيف يأوون إلى المساجد عليهم المرقعّات حتى يظن أنهم من الصوفية. وما يزال أبو دلف فى وصف خدع القوم وحيلهم، حتى يوفى على نهاية القصيدة قائلا:
ألا إنى حلبت الدّه ... ر من شطر إلى شطر
وجبت الأرض حتى صر ... ت فى التّطواف كالخضر
فإن أظفر بآمالى ... تشفّت غلّة الصّدر
وألممت بأوطانى ... قوىّ النّهى والأمر
وقد تخفق فوقى ع ... زّة ألوية النّصر
وإما تكن الأخرى ... وعزّ جائز الكسر
فلا أبت مع السّفر ... غدا فى أوبة السّفر
ولا عدت متى عدت ... بلا عزّ ولا وفر
ويقول إن له أسوة فى غربته بالسادة الطّهر آل البيت كما تشهد قبورهم فى الكوفة وكربلاء وبغداد وسامرّا وطوس وباخمرا بالقرب من الكوفة. وفى ذلك ما يدل على أنه كان شيعيا، وأكبر الظن أنه كان إماميا مثل الصاحب بن عباد. وقد صوّر فى قصيدته كل أفانين المكدين وحيلهم مستخدما مصطلحاتهم فى هذه الحيل، مما جعله يعنى بشرح القصيدة بيتا بيتا، وعنه نقل الثعالبى الشرح، ولخصناه فى إيجاز. والمصطلحات كلها شعبية، ومن المؤكد أن جماعة الكدية كلها كانت جماعة شعبية، ولا شك فى أن أبادلف بعدّ خير شاعر فى عصره عبّر عن نفسه وعن هذه الجماعة.
ولأبى دلف رحلات إلى الصين وأواسط آسيا دوّن اقتباسات كثيرة منها ياقوت فى «معجم البلدان» والقزوينى فى كتابه «آثار البلاد» ووجدت له رسالتان حلل أولاهما المستشرق الألمانى رور صوير موضحا أنه يتحدث فيها عن رحلته إلى الصين، ونشر الرسالة الثانية المستشرق مينورسكى (طبع وزارة التربية والتعليم بالقاهرة) كما نشرها مستشرقان