للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك آثار كثيرة فى تنوع فنون الكتابة والنثر، مما نراه واضحا لا فى الكتابات العلمية والفلسفية فحسب، بل أيضا فى الكتابات الأدبية، ولنأخذ جانبا واحدا هو جانب القصص، فقد أخذ يوجد بجانب القصص الأدبى الخالص قصص صوفى وقصص فلسفى. ومعروف أن المترجمين عنوا فى القرنين الثانى والثالث للهجرة بنقل كثير من القصص الفارسى والهندى وكان بين ما نقلوه كتاب ألف ليلة وليلة. ومحاكاة له ألّف محمد بن عبدوس الجهشيارى المتوفى سنة ٣٣١ للهجرة كتابا قصصيا مماثلا يشتمل على ألف حكاية من حكايات العرب وغيرهم. ومنذ هذا الحين يكثر تأليف كتب السمر حتى ليذكر حمزة الأصفهانى المتوفى قبل سنة ٣٦٠ أن كتب السمر المتداولة فى أيامه بلغت سبعين كتابا (١)، وكانت العامة تتلهف منها على ما يدور حول الحب وحكاياته أو حول الجن.

وطبيعى أن تكثر كتب النوادر، وخاصة ما اتصل منها بالحمقى أو بالمغفلين، وتكثر أيضا كتب الندماء وأخبارهم.

ومرّ بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى أنه أخذت تتكوّن منذ القرن الثالث حول المتصوفة حكايات كثيرة، تصوّر جهادهم فى نسكهم جهادا مضنيا، وحكايات أخرى بجانبها تصور كراماتهم. وكانت العامة تقبل على هذه الحكايات الصوفية، مما جعلها تطبع بطوابع الأدب الشعبى وألفاظه ولغته (٢). وكلما مضينا فى عصر الدول والإمارات كثرت الحكايات والأقاصيص عن المتصوفة، لما كانت تلقى من رواج عند العامة، ويكفى أن نعرض أطرافا من هذه الحكايات عند القشيرى مؤسس التصوف السنى، فقد فتح فى رسالته بابا لكرامات الأولياء، وقصّ حكايات منها تنسب إلى الصحابة والتابعين وكبار المتصوفة فى إيران والعراق ومصر والخضر عليه السلام. ومما حكاه أنه كان فى قصر سهل التسترى المتصوف بيت يسمى بيت السباع، يقول: فسألنا عن ذلك؟ فقالوا كانت السباع تجئ إلى سهل، وكان يدخلهم هذا البيت ويضيفهم ويطعمهم اللحم ثم يخليهم! وحكى عمن يسمى ابن سالم أنه لما مات إسحق بن أحمد دخل سهل التسترى صومعته، فوجد فيها سفطا (وعاء) فيه قارورتان، فى واحدة منهما شئ أحمر، وفى الأخرى شئ أبيض، ووجد شوشقة (قطعة) ذهب وشوشقة فضة، فرمى بالشوشقتين فى دجلة، وخلط ما فى القارورتين بالتراب! وكان على إسحق دين، قال ابن سالم: قلت لسهل إيش كان فى القارورتين، قال: إحداهما لو طرح منها وزن درهم على مثاقيل من النحاس


(١) تاريخ سى ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الأصفهانى (نشر دار مكتبة الحياة ببيروت) ص ٤٠.
(٢) انظر العصر العباسى الثانى (طبع دار المعارف) ص ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>