صارت ذهبا، والأخرى لو طرح منها مثقال على مثاقيل من الرصاص صارت فضة. فقال سامع لابن سالم: وإيش عليه لو قضى منه دين إسحق؟ فقال له: إى دوست (يا صاحبى) خاف على إيمانه. وحكى عن الخوّاص أنه قال: كنت فى البادية مرة، فسرت فى وسط النهار، فوصلت إلى شجرة وبالقرب منها ماء، فنزلت، فإذا أنا بسبع عظيم أقبل، فاستسلمت، فلما قرب منى، إذا هو يعرج، فحمحم وبرك بين يدى، ووضع يده فى حجرى، فنظرت، فإذا يده منتفخة، فيها قيح ودم، فأخذت خشبة وشققت الموضع الذى فيه القيح، وشددت على يده خرقة، ومضى، وإذا أنا به بعد ساعة ومعه شبلان يبصبصان لى وحملا إلىّ رغيفا! . وحكى عن ذى النون فى رواية أبى بكر بن عبد الرحمن قال: كنا مع ذى النون المصرى فى البادية، فنزلنا تحت شجرة أم غيلان، فقلنا: ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب، فتبسم ذو النون، وقال:
أتشتهون الرطب، وحرّك الشجرة، وقال: أقسمت عليك بالذى ابتدأك وخلقك شجرة إلا نثرت علينا رطبا جنيّا، ثم حرّكها، فنثرت رطبا جنيّا، فأكلنا وشبعنا. ثم نمنا، وانتبهنا وحركنا الشجرة، فنثرت علينا شوكا! . ومما حكاه عن الخضر فى رواية أبى عمران الواسطى قال: انكسرت السفينة، وبقيت أنا وامرأتى على لوح وقد ولدت فى تلك الحالة صبية، فصاحت بى، وقالت لى: يقتلنى العطش، فقلت: هو ذا يرى حالنا، ورفعت رأسى، فإذا رجل فى الهواء ومعه كوز، فأخذت الكوز وشربنا منه، وإذا هو أطيب من المسك وأبرد من الثلج وأحلى من العسل، فقلت: من أنت؟ رحمك الله، فقال:
عبد لمولاك، فقلت: بم وصلت إلى هذا؟ فقال: تركت عوارى الدنيا لمرضاته، فأجلسنى فى الهواء، ثم غاب عنى ولم أره:
وتكثر أمثال هذه الحكايات فى كتب المتصوفة، وواضح ما فيها من إبطال قانون السببية، وإنما رويناها لندل على ذيوع حكايات وأقاصيص صوفية شعبية بين العامة، وكانت تروى بلغة وسطى بين الفصحى والعامية أو قل بلغة فصحى قريبة من أفهام العامة، وبذلك كانوا يتداولونها وكانت تشيع فى أوساطهم وتنتشر، عاملة-إلى حد- فى الإبقاء على الفصحى، لغة متداولة على ألسنة الإيرانيين فى ذلك العصر، خاصة أنهم كانوا يشغفون بالتصوف وكل ما يتصل به من أقاصيص، لا تتناول الكرامات فحسب، بل أيضا تتناول جوانب أخرى كرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحلم ورؤيا الصحابة والصوفية ورؤيا الحور العين. وفى رسالة القشيرى من ذلك حكايات مختلفة، وبالمثل فى كتب المتصوفة ككتاب قرة العيون ومفرح القلب المحزون لأبى الليث السمرقندى المطبوع على هامش