وفيها أيضا أن التركة لا تردّ إلى بيت المال بل يأخذها الأباعد من ذوى الأرحام، وهو ما أشار إليه المقدسى فى كتابه أحسن التقاسيم من أن البويهيين لم يكونوا يتعرضون للتركات.
ويلقانا عهد فى الحسبة نطلع منه على صفات المحتسب وواجباته ومسئولياته. وتلقانا عهود فى معاملة الرعية وفى قسمة الماء فى بعض الأودية، كما يلقانا باب عن الحجيج والمصالح والثغور. وفى الباب السادس رسالتان هما الخامسة والسادسة كتبتا بمناسبة نشوب ثورة فى قزوين بين الشيعة والسنة، ونرى الصاحب يدعو فيهما إلى أن تحل الألفة والوئام بين الطائفتين دون نصرة إحداهما على الأخرى. وفى ذلك ما يدل على أن البويهيين لم يتحيّزوا إلى مذهبهم الشيعى فى أنحاء دولتهم حفظا للأمن وصيانة له. وطبيعى أن نحسّ فى بعض الرسائل بأن كاتبها من المعتزلة، فقد كان الصاحب كما قدمنا معتزليّا، وفى الباب السابع عشر رسالتان صريحتان فى أن الصاحب كان يبعث دعاة له أحيانا يدعون الناس إلى الدخول فى نحلة الاعتزال. ومن قوله فى إحداهما:«كان هذا البلد من البلاد المستغلقة على أهل عدل الله وتوحيده، والتصديق بوعده ووعيده، هذا وفى فقهائه وفور، وفى الفضل به ظهور، وقد أعان الله على بثّ كلمة الحق، وسمع الأكثر على لين ورفق».
وربما رأى أن الاعتزال باب للتشيع، وكانا متآخيين حينئذ، فعمل على نشره لينتشر من ورائه التشيع مبتغاه. وفى الرسائل-من حين إلى آخر-ما يدل على نزعته الشيعية وخاصة حين يكتب برسائله إلى بعض الأشراف العلويين. وتلقانا فى الباب التاسع عشر رسالة هى عهد لعلوى ولى النقابة بين الذرية الطيبة، وفيها ما يدل على أن النقيب هو الذى كان يحكم بين العلويين، وأنه كان لهم قضاء مستقل فى الدولة، وأنه كان ينتسب إليهم دخلاء ينتحلون النسبة، ويأمر النقيب بتعقبهم وإشهار أمرهم، وفى الرسالة أيضا ما يدل على كثرة الأموال التى كان يقدمها البويهيون للعلويين.
وعلى هذا النحو لرسائل الصاحب المنشورة قيمة تاريخية كبيرة، وأيضا لها قيمة أدبية كبيرة، لأنها المجموعة الوحيدة التى وصلتنا عن كتّاب البويهيين فى القرن الرابع الهجرى، وهى دائما تبتدئ بالتحميد والتمجيد للنبى صلى الله عليه وسلم أو بالدعاء. ويعقب الصاحب هذا البدء بذكر أميره الذى يكتب عنه مكتفيا بلقبه المشهور الذى خلعه عليه الخليفة، وقد يذكر كلمة الحضرة السامية أو الحضرة الشريفة. وإذا كانت الرسالة فى فتح عظيم أطال فى الدعاء تنويها بالفتح. والرسائل كلها مكتوبة بأسلوب ابن العميد الذى يقوم على السجع والبديع، ويروى معاصروه طرفا كثيرة عن ميله للسجع وإيثاره، حتى زعموا أن ابن العميد قال: خرج ابن عباد من عندنا من الرىّ متوجها إلى أصفهان وطريقه رامين: