ديوانه كما مرّ بنا، وهو يموج بأشعاره الشيعية وبتصويره لمبادئه الاعتزالية من مثل قوله:
قالت: فما اخترت من دين تفوز به ... فقلت إنى شيعىّ ومعتزلى
وقوله:
ومن كان بالتّشبيه والجبر دائنا ... فإنى فى التوحيد والعدل أوحد
وهو يحمل على المشبّهة والمجبرة حملات شعواء، كما يحمل نفس الحملات على من يقولون بأن القرآن قديم وغير مخلوق يقول:
وإن قال أقوام قديم لأنه ... كلام له فانظر إلى أين صعّدوا
وله وراء شيعياته واعتزالياته أشعار طريفة أنشدنا منها-فيما مرّ-أطرافا. وصنّف فى اللغة معجما سماه المحيط كما صنف كتبا ورسائل مختلفة فى الإمامة وفى فضائل على ابن أبى طالب وفى أسماء الله وصفاته وله رسالة فى الكشف عن مساوى المتنبى وكتاب فى المقصور والممدود. وكانت له مكتبة ضخمة ويقال إن فهرست كتبها كان يقع فى عشر مجلدات، وأنها كانت حمل أربعمائة بعير.
ورسائله منشورة، وهى فى عشرين بابا وكل باب يشتمل على عشر رسائل ما عدا البابين السابع عشر والثامن عشر، وأولهما فى الآداب والمواعظ وبه أربع رسائل، والثانى فصول قصيرة وتوقيعات موجزة. وقد ذكرت فى مدخل الرسائل القيمة التاريخية لها.
وجميعها ديوانية، أو الكثرة الكثيرة منها، ولذلك كانت تعدّ وثائق قيمة عن الدولة البويهية، وخاصة أن الصاحب يعرض فيها حروبهم وأسماء قوادهم وقضاتهم كما يعرض معاهداتهم وإدارتهم لشئون الرعية مما يجعل لها قيمة سياسية واجتماعية بعيدة. والباب الأول منها خاص بفتوح عضد الدولة وحروبه مع أخيه فخر الدولة وقابوس بن وشمكير ومع الروم ومع ابن حمدان ومع وهسوذان. وفى كل ذلك تفاصيل جديدة تضيفها الرسائل إلى ابن الأثير وغيره من المؤرخين. وبالمثل تضيف جديدا إلى ما تذكره كتب التاريخ عن معاهدات البويهيين على نحو ما جاء فى معاهدة لهم مع السامانيين من أنه «لا يقبل فى جهة من الجهتين أبّاق العساكر، ولا يمهّد فى جنبة من الجنبتين للخالع والنافر، ولا يحامى على من عصا فشرد، وشق العصا وانفرد». ومن الطريف أن نتعقب ما جاء فى الباب الثانى من العهود للقضاة والولاة والمحتسبين، وخاصة عهود القصاة، لنرى هل كانوا يرجعون إلى مصادر الفقه المعروفة العامة، وهى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وكأن لا فرق بين الشيعة وأهل السنة حينئذ فى القضاء ومصادره؟ . وفعلا يؤكد ذلك ما جاء فى الرسالة الأولى من الباب الثانى الخاصة بعهد القاضى عبد الجبار.