للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحلافها من بنى أسد وأعدائها من بنى عامر، وبعبارة أخرى فى شعره فخر وهجاء، وفى تضاعيف ذلك كله نرى عنده أسرابا من الحكمة والتجربة الصادقة، وما يدل على وفائه وصدق مودته.

ونحن لا نلمّ بمديحه للغساسنة حتى نؤمن حقّا بأنه كان شاعرا بارعا، يعرف كيف يتخير ألفاظه وكيف ينوع فى معانيه وكيف يستتم صوره. وخير مدائحه فيهم قصيدته البائية، وهو يستهلها بوصف طول الليل وما تجمع عليه فيه من الهموم، يقول:

كلينى لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطئ الكواكب (١)

تطاول حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذى يرعى النجوم بآيب (٢)

وصدر أراح الليل عازب همّه ... تضاعف فيه الحزن من كل جانب (٣)

فهو محزون فى أول القصيدة يخاطب بنته أمامة ويشكو لها همومه وأشجانه لما وقع فى قبضة الغساسنة من أسرى قومه، ونراه يصور طول الليل وهمّه فيه تصويرا بديعا، فالكواكب بطيئة لا تجرى، حتى ليظن أن الصبح الذى يرعى النجوم بأضوائه ويحصدها حصدا لن يؤوب، والليل يثقل على صدره بما يردّ عليه من موجات الهم والحزن. وهى براعة استهلال رائعة تدل دلالة بينة على أننا بإزاء شاعر يعرف كيف يجسّم معانيه وكيف يعبر عنها تعبيرا واضحا مستقيما بالصور. وقد خرج من ذلك توّا إلى مدح عمرو بن الحارث الغسانى وآبائه وعشيرته، ووقف طويلا عند تصوير جيوشه وما تحقق من انتصارات مدوية، وأطال فى هذا التصوير قائلا:

إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم ... عصائب طير تهتدى بعصائب (٤)

يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضّاريات بالدماء الدوارب (٥)


(١) كلينى: دعينى. ناصب: متعب. بطئ الكواكب: كناية عن أنها لا تغور ولا تمضى.
(٢) آيب: راجع. وأراد براعى النجوم الصباح.
(٣) أراح: رد. العازب: البعيد.
(٤) عصائب: جماعات.
(٥) الضاريات: المتعودات. الدوارب: المدربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>