للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقوف الجامع الأموى وصارت دمشق أطلالا عافية أو بالية، بعد أن كانت فردوسا من فراديس الجنان، وهى طامة كبرى ظلت دمشق تعانى منها طويلا. وزاد تيمور لنك الطين بلّة بتجريد دمشق-كما مرّبنا من صفوة صناعها ومهندسيها، إذ أخذهم معه الى عاصمته سمرقند. وحاول سلاطين المماليك بعد خروجه من دمشق لحرب السلاجقة فى آسيا الصغرى أن يعيدوا لدمشق والشام شيئا من الرخاء بإلغاء المغارم والمكوس وكل ما كان يبهظهم من الضرائب الاستثنائية.

واستعادت دمشق مبانيها وعمارتها بعد تيمور، ولا بد أنها ظلت تعانى من خسائر الحريق وأنقاض عمائرها الباذخة فترة طويلة. وسرعان ما نسمع أنه أصبح بها مائة حمام. وشاد حكامها فيها قصورا فخمة على مر السنين، واتسع ذلك فى بلدان الشام جميعا: من حلب شمالا إلى غزة جنوبا، وبدأ ذلك منذ أوائل عهدها بالاسلام لزمن الأمويين، فإن خلفاءهم وأمراءهم وبعض نسائهم شادوا فى دمشق لأنفسهم قصورا باذخة، وامتد ذلك إلى حلب وغير حلب من مدن الشام وإلى البوادى. وظلت هذه العناية بتشييد القصور لحكام الشام على مر السنين، ومر بنا أن خمارويه بنى لنفسه بجوار دمشق قصرا، وتتابع بناء حكام دمشق وبلدان الشام للقصور، سوى ما كانوا يبنون من المساجد والخانقاهات والمارستانات والمدارس. وتحدث المؤرخون طويلا عن قصر أنيق بدمشق بناه الظاهر بيبرس. وعنى الصليبيون ببناء الحصون كما عنى الأيوبيون والمماليك ببناء المساجد والمدارس والرباطات والمارستانات والقلاع والجسور وكان لكل ذلك أثر واسع فى نشاط الحياة بالشام ورواج الصناعة والتجارة.

وترزح الشام-كما رزحت مصر-تحت حكم العثمانيين، ويظلون بها أربعة قرون، ويتقوض كل أمل لأهل الشام فى تدارك الأمور، وبدأ ذلك الغزالى نائب سليم بما أخذ يفرض على أهل الشام من ضرائب ثقيلة، وزال حكمه، كما مر بنا، وظلت المكوس تزداد وظلت البلاد تتردى من سيئ إلى أسوأ إذ دأب العثمانيون على التغيير السريع لحكامهم فى البلاد، ودأب الحكام على اعتصار خيراتها حتى آخر قطرة. وكانت الدولة العثمانية تدفع إلى استنزاف كل ما فى ديار الشام من أموال وظلموا الناس أشد ظلم، بل نهبوهم أعسف نهب وابتزوا أموالهم أسوأ ايتزاز. وهيأ ذلك لمظالم لا تطاق فى المدن بين الصناع والتجار وفى القرى بين الزراع، مما جعل بعض الفلاحين يفرون من قراهم إلى الجبال أو ينزلون عن ممتلكاتهم فيها إلى بعض ذوى الجاه مفضلين أن يعيشوا فقراء على معيشة الحرية التعسة المنتهكة. وانتكست بذلك الزراعة، ولم تعد هناك عناية بإنتاج القطن

<<  <  ج: ص:  >  >>