كتاب القرن الرابع الهجرى كانوا قاصدين مصر. فنزلوا بدمشق فى طريقهم، والتقوا فيها بشاب أضافهم. فقبلوا الضيافة وأمضوا فى منزله ليلة ما جنة أحضر لهم فيها نبيذا على عشائهم، فشربوا، وسرعان ما خرجت عليهم طائفة من الجوارى ما بين عوّادة وطنبورية وزامرة وصنّاجة ورقّاصة ودفّافة وهن يلبسن فاخر الثياب والحلىّ وسألهم فى الصباح أتحبون الذهاب إلى بعض البساتين للتفرج أو الجلوس فى المنزل واللعب بالشطرنج والنّرد أو القراءة فى الكتب. والخبر تداخله مبالغات تجعله أشبه بأسطورة، لكنه على كل حال يدل على ما كان بدمشق من فنون لهو.
ولا ريب فى أن حرب أهل الشام بعد ذلك مع حملة الصليب أتاح لهم كثرة من الجوارى الأوربيات المسترقّات. ويبدو أنهن كن من عوامل شيوع البغاء، إذ نقرأ فى تراجم نور الدين وصلاح الدين والعادل أنهم طهّروا البلاد من الفواحش والخمور والقمار. وكانت هناك دور النخاسين تحمل الجوارى من كل جنس وكل بلد. ويدل على كثرة الجوارى فى الشام من بعض الوجوه أن نجد فقيها دمشقيا توفى سنة ٦٣٢ هو عبد السلام بن المطهر بن أبى عصرون يروى عنه أنه كان ببيته نيف وعشرون جارية فما بالنا بأهل الثراء وبالحكام وكبار الموظفين ذوى الرواتب الضخمة. ولم يقف المنحرفون بالمجتمع فى لهوهم حينئذ عند شرب الخمر. فقد أخذ يشيع بينهم شرب الحشيس، ولذلك أمر الظاهر بيبرس فى سنة ٦٦٥ بهدم دور الحشيش والخمر جميعا وإقامة الحدود بشدة على من يتعاطونهما. ومن حين إلى آخر نسمع عند بعض السلاطين بمثل هذا الأمر، ولكن المجّان كانوا يعودون إلى تعاطيهما ولا يزدجرون. وظل الغناء مزدهرا طوال زمن المماليك، ونجد مغنيا بدمشق يلزم واليها تنكز نائب الناصر محمد بن قلاوون ويختص به ويعلم جواريه الغناء، وكان يعاصره شمس الدين الدمشقى محمد بن على وكان يجيد العزف واللعب بالقانون وينظم الشعر ويلّحنه ويأخذه عنه الملحنون وأهل الملاهى.
وظلت الشام تعيش فى رخاء إلى نهاية القرن الثامن الهجرى إلا فترات كانت تدب فيها وخاصة فى دمشق الفوضى بسبب ما كان يحدث فيها من نزاع بين الأمراء على السلطة كما حدث فى السنوات ٧٥٣ و ٧٦٢ و ٧٩٠ و ٧٩٦ و ٨٠١ ولعل هذا كان أحد العوامل فى انتصار تيمور لنك السريع على المدافعين عن حلب وما وراءها من البلدان إلى دمشق، وقد عاث جنوده فيها-كما مرّ بنا-نهبا وسفكا للدماء. وعلى الرغم من أن دمشق استسلمت له بميثاق أو عهد أخذه على نفسه أن لا يمس أهلها بأذى لم يكد يدخلها مع جنده حتى نكث عهده وميثاقه فسبى جنوده النساء وشدوا الرجال والأولاد فى حبال وأشعلوا النار فى المنازل والدور والمساجد ثلاثة أيام فاحترقت المدينة، وسقطت