للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونصارى، وقد يلتقى الجمعان ويتقاتلون وتجارهم تختلف بينهم دون اعتراض، وهكذا دائما أهل الحرب من الفئتين مشتغلون بحربهم، والناس من ورائهم-كما يقول ابن جبير-فى عافية:

يتعايشون ويتبادلون السلع وعروض التجارة، وكان حملة الصليب يرسلون ببعض هذه العروض فى سفن لهم كانت تجوب البحر المتوسط والمحيط الأطلسى حتى السويد. وورثت الشام عنهم ذلك حين جلوا عنها فكانت تجاراتها تتغلغل فى البلاد الأوربية.

ولم نعرض حتى الآن لما كان فى المجتمع الشامى طوال هذه الحقب من فنون اللهو. وكان طبيعيّا والشام دائما حاملة للسيف أن يشيع فيها مبكرا سباق الخيل واللعب بالصوالجة والتنافس فى إحسان الرماية. وكان أهلها يحارشون أحيانا بين الكباش والكلاب، وكانوا يخرجون للصيد.

وكانت أسواقهم تموج بالأقمشة الحريرية وبالطيب والعطور. وعنى خلفاؤها الأمويون مبكرين بالغناء وبدأ ذلك منذ عبد الملك بن مروان الذى استقبل ابن مسجح مغنى مكة وغنّاه الغناء المتقن على نحو ما أشرنا إلى ذلك فى كتابنا الشعر والغناء فى المدينة ومكة واستقبل أيضا بديحا واستمع إلى غنائه، واستقبل ابنه الوليد بعده ابن سريج مغنى مكة. وتحول يزيد بن عبد الملك بقصره إلى مسرح لمغنى الحجاز من أمثال معبد وابن عائشة، واشترى جاريتين من جوارى المدينة المغنيات، وهما حبابة وسلاّمة القسّ، ووصفه أبو حمزة الخارجى، فقال إنه يشرب الخمر ويلبس الحلّة قوّمت بألف دينار. . حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره». ونشأ ابنه الوليد فى هذا الجو المشبع بالترف والخمر والغناء، وكان شاعرا بارعا، وله خمريات تكتظ بها ترجمته فى كتاب الأغانى، وحين استولى على مقاليد الخلافة بعد عمه هشام تحول بقصره إلى مقصف للخمر والعزف والغناء، وندماؤه من حوله يشاركونه قصفة ولهوه وطربه، وكاد أن لا يترك مغنيا مشهورا فى المدينة أو مكة إلا استقدمه وعقد له فى قصره مجالس للطرب والسماع، ويقول أبو الفرج فى ترجمته إنه «كان يضرب بالعود ويوقّع بالطبل ويمشى بالدّفّ على مذهب أهل الحجاز».

ولا ريب فى أن شيئا من ذلك كان ينعكس على أهل الشام فى دمشق وغير دمشق. إذ يوجد فى كل زمن منحرفون ينغمسون فى اللهو والخمر وشرب الدّنان، وكان يهيئ لهم ذلك فى الشام كثرة ما يزرع فيها من كروم وكثرة ما كان بها من أديرة. وكانوا يشربون فى الطبيعة بين الأزهار وغناء الطير وفى قاعات الأديرة والبيوت، وكانوا يفرشون القاعات بالورود والنرجس والأقحوان والأزهار المختلفة. وكان يكثر فى تلك المجالس سماع المغنين والمغنيات وهم يعزفون على آلات الطرب المختلفة. ويسوق ابن حجّة الحموى فى كتابه ثمرات الأوراق خبرا طويلا عن جماعة من

<<  <  ج: ص:  >  >>