ونمضى معهم إلى أيام هجوم التتار على الشام فنجد داعيتهم أبا المعالى رضى الدين يرضخ لهم ويسلمهم بعض القلاع سنة ٦٥٨ بينما ظل الدروز يقاومون التتار-كما مرّ بنا-ولعل ذلك ما جعل الظاهر بيبرس بعد قضائه على التتار يفكر فى الاستيلاء على قلاعهم منذ سنة ٦٦٤ وسرعان ما أعلنوا له الطاعة وأنهم جزء من رعيته. وفى سنة ٦٦٩ عزل داعيتهم نجم الدين وولى مكانه داعية ثانيا يسمى صارم الدين، غير أنه أعلن الثورة عليه، وسرعان ما أخفقت ثورته. وأخذ الظاهر بيبرس يستولى على قلاعهم حتى سلمت له وخضعت جميعا، ولم يعمد إلى إجلائهم عن قلاعهم كما صنع هولاكو حين استولى على قلعة ألموت وغيرها من قلاعهم بإيران، بل أبقى عليهم ليفيد من سفاكيهم فى القضاء على خصومه. وظل سلاطين المماليك بعده يستخدمونهم لنفس الغاية.
ويسجل ذلك ابن بطوطة حين زار حصونهم لعهد الناصر بن قلاوون سنة ٧٢٧ إذ يقول:
«وهذه الحصون لطائفة يقال لها الإسماعيلية، ويقال لهم الفداوية، ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم، وهم سهام الملك الناصر بهم يصيب من يعدو عليه من أعدائه، ولهم المرتبات، وإذا أراد السلطان أن يبعث أحدهم إلى اغتيال عدو له أعطاه ديته، فإن سلم بعد تأدية ما يراد منه فهى له، وإن أصيب فهى لولده». ويقول القلقشندى نقلا عن ابن فضل الله العمرى المتوفى سنة ٧٤٩ للهجرة:«ولصاحب مصر بمشايعة الفداوية مزية يخافه بها عدوه، لأنه يرسل منهم من يقتله ولا يبالى أن يقتل بعده، ومن بعثه السلطان إلى عدو له فجبن عن قتله قتله أهله إذا عاد إليهم، وإن هرب تبعوه وقتلوه». وبالقاهرة جامع منسوب إلى هذه الجماعة الإرهابية يسمى جامع الفداوية، ويقال إن الفداوى الإرهابى الخطير الذى كان يعتمد عليه بيبرس هو «شيحة» المدفون بدمياط.