للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمديحه والثناء عليه، فهو غيث منعش لأوليائه وسيف مصلت على أعدائه، وقد براه الله لرعيته عادلا وفيا، لا يلقى المنكر بالمعروف ولا المعروف بالمنكر، يجزى على الإساءة إساءة وعلى الإحسان إحسانا. وانتهى بتمثيل ما هو فيه من نعيم، فهو يشرب فى كأس مفضضة مزج ما فيها بالمسك والطيب. ومن رائع اعتذاراته إليه قوله:

أتانى-أبيت اللّعن-أنك لمتنى ... وتلك التى أهتمّ منها وأنصب (١)

فبتّ كأن العائدات فرشننى ... هراسا به يعلى فراشى ويقشب (٢)

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلّغت عنى خيانة ... لمبلغك الواشى أغشّ وأكذب

ولكننى كنت امرأ لى جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب (٣)

ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم ... أحكّم فى أموالهم وأقرّب

كفعلك فى قوم أراك اصطنعتهم ... فلم ترهم فى شكر ذلك أذنبوا

وإنّك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

فلا تتركنّى بالوعيد كأننى ... إلى الناس مطلىّ به القارّ أجرب (٤)

ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب (٥)

ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أىّ الرجال المهذّب (٦)

فإن أك مظلوما فعبدا ظلمته ... وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب (٧)

وواضح أنه يصور نفسه فى أول هذه الأبيات حين بلغه لوم النعمان بمريض،


(١) أنصب: أجهد جهدا شديدا.
(٢) الهراس: شحر كثير الشوك. العائدات: الزائرات فى المرض. قرشننى: بسطن لى. يقشب: يجدد.
(٣) جانب من الأرض: متسع. مستراد: يذهب فيه الإنسان كما يريد. كناية عن إكرام الغساسنة له فى ديارهم.
(٤) القار: القطران، وكانوا يداوون به الإبل الجربى.
(٥) السورة: المنزلة. يتذبذب: يضطرب ولا يصل إليها.
(٦) شعث: فساد. تلمه: تجمعه وتضمه.
(٧) عتبى: رضا. يعتب: يعطى العتبى والرضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>