وتسقى إذا ما شئت غير مصرد ... بزوراء فى حافاتها المسك كانع (١)
وهو فى أول هذه الأبيات يقول له: إن وعيدك أتانى وأنا آمن فى قومى وبينى وبينك منازل بنى أسد ومن وراءهم، فألمت حفظا للعهد وبت مسهدا، كأنما لدغتنى أفعى، وهى صورة بارعة، وقد أخذ يدقق فيها حتى يجسم ألمه، فهى أفعى من الرقش تستودع السم فى أنيابها الحادة، فمن عضّته لم يطف به النوم من شدة الألم، وعلق عليه أهله الحلى والخلاخيل حتى يفيق ويبرأ. وهى من الأفاعى الخبيثة التى قلما أجابت الرقى، وإن الرقاة والحاوين ليرهبونها ويتخوفون من أن يطأوا حماها. ويصور النابغة للنعمان فزعه حين أتاه أنه يلومه، ويحلف له بأيمانه الوثنية، ويختار هنا الحلف بالإبل التى كانوا ينذرونها لآلهتهم، ويقف ليعطينا صورة عن هذه الإبل، فهى تقبل على مكة مسرعة سرعة السمام، حتى لكأنها تبارى الريح، وقد أجهدت من السير وطول السفر، حتى إن بعضها سقط فى الطريق إعياء، فلم ينبعث ولم يستطع براحا. وقد بقيت بقية عليها شعث مغبرون يقصدون الحج، وقد أخذها النحول حتى لكأنها القسى الضامرة. وهذا اليمين العظيم يقسم به متنصلا مما سمع عنه من بعض الوشاة أنه انصرف إلى الغساسنة يمدحهم ويهجوه، وكان حريا به أن ينزل سخطه لا عليه، وإنما على هذا الواشى وإلا فمثله ومثل من وسوس للنعمان مثل البعير السليم يكوى من الجرب، والأجرب راتع بجانبه لا يصيبه كى ولا أذى. وهى صورة أخرى بارعة، ويقول إن كنت لا تكذب من يضطغن علىّ ولا تصدق يمينى ولا حلفى فما أحرانى بالرهبة منك والخوف من بطشك، ويودع ذلك صورة رائعة، إذ يتخيل النعمان كالليل، لا مفر لشخص من أن يطبق عليه. وعاد إلى الاستعطاف فصور قصائده التى يرسل بها إليه ليلين قلبه عليه كأنها خطاطيف معوجة ثبّتت فى حبال متينة، وأيدى النابغة تمد بها إليه، تريد أن تظفر بعطفه ورضاه. ويصور له أمانته وأنه لا يخون عهده، بينما من يختانون هذا العهد يقربهم ويرعاهم، ويختم اعتذاره إليه
(١) مصرد: من التصريد وهو الشرب دون الرى. زوراء: كأس طويلة من فضة كان النعمان يشرب فيها. كانع: لاصق.