للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأغذية حتى يتم شفاؤهم. ويذكر ابن جبير فى رحلته بيمارستانين رآهما بدمشق سنة ٥٧٨:

أحدهما قديم والثانى حديث، ويقول إن الحديث أحفلهما وأكبرهما وجرايته (نفقته) فى اليوم نحو خمسة عشر دينارا، وله قومة (موظفون) بأيديهم الأوراق المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التى يحتاجون إليها فى الأدوية والأغذية وغير ذلك. والأطباء يبكّرون إليه كل يوم، ويتفقدون المرضى، ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية حسبما يليق لكل إنسان منهم. ويقول إن المارستان القديم على هذا الرسم ولكن الاحتفال فى الجديد أكثر، ويذكر أن للمجانين المعتقلين ضربا من العلاج وهم فى سلاسل موثقون. ثم يقول: وهذان المارستانان مفخرة عظيمة من مفاخر الإسلام. ولم تكن المارستانات دور علاج فحسب، بل أيضا كانت مدارس يمرّن فيها شباب الأطباء ويتلقون فيها عن شيوخ الطب محاضرات متنوعة. وأخذت البيمارستانات تبنى فى ديار الشام حتى لنلتقى بمارستانات فى صرخد بفلسطين. وجعل ذلك الطب يعود إلى نشاطه، فيتكاثر الأطباء ويتكاثر المهتمون بعلوم الأوائل حتى ليعدون فى كتاب ابن أبى أصيبعة بالعشرات. ولن نستطيع أن نقف عندهم جميعا إنما نقف عند مشهوريهم، ونبدأ بشمس (١) الدين اللبودى المتوفى بدمشق سنة ٦٢١ وكان يطبّ فى البيمارستان النورى الكبير بدمشق، وكان له مجلس للاشتغال عليه بصناعة الطب وغيرها. وكان يعاصره الدّخوار (٢) مهذب الدين عبد الرحيم بن على الدمشقى مولدا ودارا رئيس بيمارستان دمشق الذى أسسه نور الدين محمود، توفى سنة ٦٢٨ وأفرد ابن أبى أصيبعة له فى طبقاته فصلا طويلا تحدث فيه عن حياته، وله مؤلفات كثيرة، وكان يتخذ داره مدرسة لتعليم الطب، وقفها على هذه الغاية فى حياته وبعد مماته. وكان أثره فى تعليم الطب بدمشق واسعا، وثقفته على يديه جماعة كبيرة.

وكان مما ساعد على ازدهار الدراسة لعلوم الأوائل ما ذكرناه فى الفصل الماضى من أن أمراء البيت الأيوبى توزعوا بلدان الشام فيما بينهم، وتحول كل أمير منهم فى بلد إلى راع للعلوم والآداب بها، ودفع ذلك إلى تنافس بينهم، مما أكثر من العلماء فى كل فروع العلم، ونلتقى بمنصور بن فضل المشهور باسم رشيد (٣) الدين الصورى المتوفى سنة ٦٣٩ ولد بصور، ولذلك نسب إليها واشتغل بالطب على أساتذته، وأقام بالقدس سنتين يعالج الناس فى بيمارستانها، ثم انتقل إلى


(١) ابن أبى أصيبعة ص ٦٦٢
(٢) انظر فى الدخوار ابن أبى أصيبعة ص ٧٢٨ وفوات الوفيات ١/ ٥٦٣ وألدومييلى ص ٣٢٠
(٣) راجع فى رشيد الدين ابن أبى أصيبعة ص ٦٩٩ وألدومييلى ص ٣٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>