للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ازدادت الرغبة حتى عند المسيحيين فى معرفة العربية لغة الحاكم وإدارته الجديدة، وحقا كانت الشام قد أخذت فى التعرب قبل الإسلام، ولكن كان لا يزال بها كثيرون لا يعرفون العربية، بل قل إن الكثرة كانت لا تعرفها، وكان الذين اعتنقوا الإسلام شغوفين بالتزود منها، ويمكن أن نتخذ مما ينسب إلى عبيد بن شريّة جليس معاوية ومحدثه بأخبار الأمم السالفة من أنه وضع للناس كتابا فى الأمثال (١) رمزا لتلبية هذا الشغف عند أهل الشام، ولباه أيضا فى أيام يزيد بن معاوية أخبارى يسمى. علاقة بن كريم الكلابى، فوضع للناس كتابا ثانيا فى الأمثال (٢) والحكم. وأخذ ينشأ حينئذ معلمون يعلمون الناس العربية، كانوا يسمون باسم المؤدبين، ولم تهتم الكتب بإعطاء بيانات عمن كانوا يعلمون العامة منهم، ولا شك أن كثرتهم كانت من قرّاء الذكر الحكيم، حتى يحسن القارئ تلاوته، أما من كانوا يعلمون الخاصة من أبناء الخلفاء وأمراء البيت الأموى فزوّدتنا المصادر ببعض أسمائهم، ومنهم عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب (٣) أولاد عتبة بن أبى سفيان، وهو أيضا مؤدب (٤) الوليد بن يزيد، ويقال إنه هو الذى دفعه إلى المجون، إذ كان زنديقا ماجنا.

وكان معبد الجهنى مؤدبا (٥) لسعيد بن عبد الملك، واتخذ هشام بن عبد الملك فى خلافته الزهرى المحدّث مؤدبا (٦) لأبنائه.

ومضت الشام طوال القرنين الثانى والثالث تعنى بتعلم العربية وإتقان الناشئة لها وقيام أمثال من سميناهم على تعليمها من المؤدبين والمعلمين. ويبدو أنهم كانوا يعدون تلاميذهم إعدادا واسعا، يدل على ذلك أن شاعرين ممن خرّجوهما-تخرج أولهما وهو أبو تمام فى الربع الأخير من القرن الثانى وتخرج الثانى فى أوائل القرن الثالث وهو البحترى-وضعا أقيم مجموعتين من اختيارات الشعر حتى زمنهما، وسمّى كل منهما مجموعته باسم الحماسة على نحو ما هو معروف. وكانت بغداد-مركز الخلافة-تجذب إليها بعض هؤلاء المؤدبين، وكان الخلفاء يتخذون منهم أحيانا مؤدبى أبنائهم، مثل أحمد بن سعيد الدمشقى وكان مؤدبا لأبناء الخليفة المعتز واختص بتخريج عبد الله بن المعتز الشاعر المشهور. ويبدو أن علماء اللغة فى الشام لم يستقلوا عن علماء النحو إلى حقب متطاولة،


(١) الفهرست ص ١٣٢
(٢) الفهرست ص ١٣٢ ونسب ابن النديم كتابا فى الأمثال لصحار العيدى معاصر معاوية.
(٣) البيان والتبيين ١/ ٢٥٢
(٤) أغانى (طبع دار الكتب) ٧/ ٣ ولسان الميزان لابن حجر ٤/ ٢١
(٥) البيان والتبيين ١/ ٢٥١
(٦) بروكلمان (الطبعة العربية بدار المعارف) ١/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>