للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى أن عالم اللغة والنحو كان واحدا، وكان يؤلف فى الميدانين معا، وقد يكون شاميا أصيلا وقد يكون من نزلاء الشام.

وأول نحوى ولغوى كبير نلتقى به فى الشام الزجّاجى (١) عبد الرحمن بن إسحق، كان قد لزم الزجّاج العالم النحوى ببغداد، فنسب إليه، ونزل الشام فأقام بحلب مدة ثم انتقل إلى دمشق وأقام بها يعلّم كتابه الجمل، وهو كتاب بارع فى تعليم الناشئة، وظل يدرس بعده فى مصر والمغرب والحجاز واليمن فضلا عن الشام مددا متطاولة لوضوح عبارته ودقة تبويبه. وله أمال تزخر بالمعارف اللغوية وهى منشورة، وله فى علل النحو كتاب نفيس سماه الإيضاح وهو أقدم كتاب تناول هذا الموضوع تناولا مفصلا دقيقا، نشره الدكتور مازن مبارك مع مقدمة لى تحليلية. وقد ترجمت للزجاجى فى كتابى «المدارس النحوية» وأوضحت أنه من مؤسسى المدرسة البغدادية التى تعتمد على الآراء النحوية البصرية وتضم إليها بعض الآراء النحوية الكوفية مع النفوذ إلى آراء جديدة. وخرج فى سنة ٣٤٠ مع عامل الضياع الإخشيدية-إذ كانت الشام حينئذ تتبع الإخشيد-إلى طبريّة فتوفى بها.

وكانت حلب قد أخذت تنافس بغداد فى النهضة الفكرية، إذ بعث فيها سيف الدولة-كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع-حياة أدبية وعلمية باهرة بما جمع فى بلاطه من الفلاسفة مثل الفارابى والمترجمين مثل عيسى النفيسى والأطباء مثل أبى القاسم الرقى. وكان للغة والنحو حظ وافر من العلماء، إذ كان بحلب حينئذ أبو الطيب (٢) عبد الواحد اللغوى، وله كتاب مراتب النحويين وكتاب فى الأضداد، غير كتب لغوية أخرى. ونزل حلب ابن خالويه (٣) اللغوى النحوى واتخذه سيف الدولة مؤدبا لأبنائه، وله فى اللغة كتاب الاشتقاق وكتاب المقصور والممدود وكتاب المذكر والمؤنث وله فى النحو كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن العزيز وطبعته دار الكتب المصرية، وله كتاب فى القراءات منشور، وعنى بدراسة لغة العامة لأيامه، ومن أجل ذلك ألّف كتابه «ليس» فى كلام العرب، وعقب عليه الحافظ المصرى مغلطاى فى مواضع وسمى كتابه «الميس على ليس» ويريد بالميس الاختيال. وكان ينزع فى آرائه منزع الكوفة وتوفى بحلب سنة ٣٧٠.


(١) انظر فى الزجاجى إنباه الرواة ٢/ ١٦٠ وابن خلكان ٣/ ١٧٦ وكتابنا المدارس النحوية (طبع دار المعارف) ص ٢٥٢ وبروكلمان ٢/ ١٧٣
(٢) راجع فى أبى الطيب مقدمة الناشر لكتابه مراتب النحويين وبغية الوعاة وبروكلمان ٢/ ٢٤٢
(٣) انظر فى ابن خالويه إنباه الرواة ١/ ٣٢٤ وابن خلكان ٢/ ١٧٨ ومعجم الادباء ٩/ ٢٠٠ ويتيمة الدهر ١/ ٨٨ وطبقات الشافعية للسبكى ٣/ ٢٦٩

<<  <  ج: ص:  >  >>