للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى كل العالم العربى الاوهى تعنى بدراسة اللغة والنحو. وظل كثيرون من شيوخ العربية يضعون الشروح لطلابهم على كثير من متون النحو ومختصراته.

ونمضى إلى زمن العثمانيين وتظل دراسات العربية بالشام نشيطة، إذ لا يستقيم لسان الناس وتلاوتهم للذكر الحكيم بدونها، بل لقد ظلت جميع الدراسات العلمية وانبرى لها علماء فى كل الفروع يدرسونها للطلاب دراسة مرتبة مفصلة، وأخذ النحو نصيبه من ذلك فظهر فيه علماء نابهون فى مقدمتهم الشيخ ياسين (١) بن زين الدين العليمى المتوفى سنة ١٠٦١ للهجرة، وله حاشية على شرح التصريح للشيخ خالد الأزهرى المصرى، وهو شرح على التوضيح أو أوضح المسالك لابن هشام. والحاشية تدل بوضوح على أن الشيخ ياسين لم يكد يترك كتابا من كتب النحو الكبرى التى تجمع آراء النحاة من بصريين وكوفيين وبغداديين وأندلسيين ومصريين حتى زمنه من مثل همع الهوامع للسيوطى والمغنى لابن هشام وارتشاف الضّرب (عسل النحو) لأبى حيان. بل لقد أمعن فى قراءة النحو عند ابن يعيش، وتجاوزه إلى من سبقوه، من أئمة المذاهب النحوية، بحيث تحول بحاشيته إلى ما يشبه موسوعة نحوية كبرى، فإذا قلنا إن الدراسات النحوية واللغوية بالشام فى زمن العثمانيين كانت لا تزال نشيطة تخفق بغير قليل من الحيوية لم نكن مبالغين.

وإذا تركنا النحو واللغة إلى مباحث البلاغة والنقد وجدنا شعراء الشام متصلين اتصالا وثيقا بالتطور الذى حدث فى الشعر لأول أيام بنى العباس وما اصطنعه فيه الشعراء من المحسنات المعنوية واللفظية مما سمى فيما بعد باسم البديع، ويلاحظ ذلك الجاحظ على العتّابى الشاعر الشامى لزمن الرشيد فيقول إنه كان يحتذى حذو بشار (٢) زعيم المجددين فى العصر العباسى الأول. وما يزال الشعراء العباسيون يعنون بتلك المحسنات حتى استطاع مسلم بن الوليد أن ينميها حتى ليتخذها كالمذهب له، وما يلبث أبو تمام الشاعر الشامى أن يتناولها منه ويبلغ بها الغاية المنتظرة من تكوين هذا المذهب الجديد الذى كان يسميه مسلم باسم البديع وفيه يقول أبو الفرج الأصبهانى. (هو فيما زعموا أول من قال الشعر المعروف بالبديع وهو لقّب هذا الجنس البديع واللطيف وتبعه فيه جماعة أشهرهم أبو تمام الطائى) (٣). وآثرنا فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى» أن نسميه مذهب


(١) انظر فى الشيخ ياسين خلاصة الأثر للمحبى ٤/ ٤٩١ وحاشيته طبعت بمصر مرارا
(٢) البيان والتبيين ١/ ٥١
(٣) انظر ترجمة مسلم بن الوليد الملحقة بديوانه نشر الدكتور سامى الدهان

<<  <  ج: ص:  >  >>