وقد عرف الأكديون فى العراق بخطهم المسمارى أو الإسفينى، بينما عرف عرب الجنوب بخطهم المسند، ومنه نشأ الخط الحبشى وخطوط اللهجات العربية الشمالية القديمة وهى اللحيانية والثمودية والصفوية. واللحيانيون-كما قدمنا-قبيلة عربية شمالية، كانت تسكن فى منطقة العلا، ونراهم يستعملون «ها» أداة للتعريف بدلا من أل، وقد اختلف فى تاريخهم، فمن الباحثين من يرجعهم إلى القرون الأولى ق. م ومنهم من يتأخر بهم إلى ما بعد الميلاد، بل منهم من يتأخر بهم إلى القرن الخامس إذ ضعفوا وتلاشوا فى قبيلة هذيل. وعدّهم الهمدانى من بقايا جرهم، ولعله يشير بذلك إلى صلتهم باليمنيين ويظهر أنهم كانوا يدينون لهم بالولاء. أما الثموديون فيعود تاريخهم إلى ما قبل الميلاد بعدة قرون، وقد عاشوا إلى ما بعد الميلاد وكانت منازلهم كما مرّ بنا فى الحجر (مدائن صالح) وحولها. ويظهر أنهم أصيبوا بكارثة عظيمة، فثارت بهم بعض الزلازل أو بعض البراكين، وفى القرآن الكريم «فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين». وقد خلّفوا كثيرا من النقوش كتبوها بالخط المسند المعينى. وهم مثل اللحيانيين والصفويين كانوا يستخدمون «ها» أداة للتعريف بدلا من أل.
وأما الكتابات الصفوية فعثر عليها فى الحرّة الواقعة بين جبل الدروز وتلول أرض الصفا. وكلمة الصفويين لا تعنى شعبا معينا أو قبيلة معينة، إنما هى اصطلاح حديث للدلالة على تلك الكتابات التى عثر عليها فى تلك الجهات. وقد عرف من دراستها أنها كتبت بالخط المعينى وأنها لهجة عربية قديمة كالثمودية واللحيانية، وكثير من نقوشها يرجع إلى القرون الأولى للميلاد، ويظهر أن من كتبوها كانوا بين التبدى والتحضر، فمنهم البدو الرعاة ومنهم الفلاحون، ولهم قرى ومزارع، وربما كان لهم تجارات.
وهذه النقوش الصفوية والثمودية واللحيانية عربية كما قدمنا برغم أنها كتبت بالخط المعينى الجنوبى، فخصائصها اللغوية قريبة من خصائص العربية التى نزل بها القرآن الكريم، وإن اختلفت عنها فى أداة التعريف وفى بعض الصفات اللغوية، إلا أنها على كل حال تصور طورا من أطوار اللغة العربية الشمالية، وقد احتوت على كثير من أسماء الرجال وأسماء الآلهة والأصنام.
وبجانب هذه النقوش نجد نقوشا أخرى بالخط النبطى، وهى تنتشر فى بطرا