حاضرة ملكهم وما حولها وفى الحجر حاضرتهم الجنوبية وبصرى بحوران فى الشام عاصمتهم الشمالية وما يتصل بهذه الجهات فى شرقى الأردن وجبل الدروز، وقد مر بنا أنهم كانوا الصلة بين العرب الجنوبيين وحوض البحر الأبيض، وبلغ من قوتهم أن كان يخشاهم اليهود وبقية أمم الشام حتى أهل روما كانوا يخشونهم، فعملوا على القضاء على دولتهم حتى تم لهم ذلك كما قدمنا سنة ١٠٦ للميلاد. ولم ينته بذلك تاريخهم، فنقوشهم تستمر إلى القرن الثالث الميلادى، ويظهر أنهم تلاشوا بعد ذلك فى العرب. وكانوا يتكلمون فى أحاديثهم اليومية العربية، إلا أنهم اختلطوا بالآراميين عن طريق التجارة وأخذوا عنهم أبجديتهم أو خطهم وكتبوا به نقوشهم، ولذلك قد يعدهم بعض الباحثين من الآراميين، ولكن من المحقق أنهم كانوا عربا يتخاطبون بالعربية.
ولما سقطت دولتهم وانتشروا فى الحجاز ونجد أخذ شيوخ العرب وأمراؤهم يتخذون خطهم فى كتابة نقوشهم وهجروا الخط اللحيانى والثمودى والصفوى.
وسرعان ما تطور هذا الخط النبطى الآرامى إلى الخط العربى الذى كتب به القرآن الكريم والمؤلفات الإسلامية. وهناك روايات عند المؤرخين المسلمين تزعم أن الخط العربى منشؤه الحيرة وأنه نقل منها إلى مكة والحجاز. غير أن هذه الروايات لا تتفق ووثائق النقوش التى كشفت فى الحجاز ودرسها علماء اللغات السامية، فقد وجدوا نقوشا حجازية وغير حجازية تصور انتقال الخط الآرامى إلى خط نبطى، ثم انتقال هذا الخط إلى الخط العربى. والمعروف أن الحيرة قبيل الإسلام كانت نصرانية وكانت تزخر بالثقافة السريانية، كما كانت تكتب بالخط السريانى قلم المسيحيين فى هذه الأنحاء. ولا يعقل أن يكونوا هم الذين تطوروا بالخط النبطى واشتقوا منه الخط العربى، لأنه لم يشع فى ديارهم ولأنه كان خط الوثنيين فى شمالى الحجاز.
وقد يكون مرجع هذا الوهم فى روايات المؤرخين الإسلاميين أن الخط الكوفى نما وازدهر فى الكوفة، فظنوا أن هذه البيئة هى التى ابتكرت الخط العربى وأنه نما وتطور فى الحيرة.
والحق أنه إنما حدث له هذا النمو والتطور فى الحجاز نفسها، فقد كانت بها حياة تجارية مزدهرة، جعلتهم يأخذون الخط المعينى أولا، ويتطورون به إلى