للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن حنبل ونقصد الإمام الأوزاعى (١) صاحب المذهب المنسوب إليه أصحابه من الأوزاعية، وقد توفى سنة ١٥٧ للهجرة، ومولده ببعلبك ومنشؤه ببيروت، واتخذها موطنه إلى وفاته، ويقول السبكى إنه: «لم يكن يلى القضاء بدمشق والخطابة والإمامة-قبل ظهور مذهب الشافعى فيها لأواخر القرن الثالث كما سيتضح عما قليل-إلا أوزاعىّ على مذهب الإمام الأوزاعى (٢). ويذكر المؤرخون أنه ولى القضاء بدمشق يحيى بن حمزة منذ سنة ١٥٤ إلى سنة ١٨٣ ثم وليه بعده ابنه محمد (٣) إلى سنة ٢٣١. وأكبر الظن أن كلام السبكى يشملهما وأنهما كانا يقضيان بين الناس بمذهب الأوزاعى. ويبدو أنه ظل بعدهما من كان يقضى بهذا المذهب، إذ يذكر ابن تغرى بردى أنه توفى لسنة ٣٤٧ قاضى دمشق أحمد (٤) بن سليمان بن حذلم الأوزاعى المذهب، ويقول إنه كان له حلقة بالجامع الأموى وأكبر الظن أنه كان يدرس للناس فيها المذهب. ومعنى ذلك أن مذهب الأوزاعى كان لا يزال حيّا فى دمشق والشام إلى أواسط القرن الرابع الهجرى. ومعروف أن الأمويين فى أول تأسيس حكمهم بالأندلس كانوا على مذهب الأوزاعى مثل أهل الشام وظلوا عليه إلى أن انتقلوا عنه إلى مذهب مالك فى أواخر القرن الثانى للهجرة (٥)، وكأنهم كانوا أسبق من أهل الشام انفصالا عن مذهب الأوزاعى.

وتذكر كتب التراجم والتاريخ أن أبا يوسف تلميذ أبى. حنيفة حين ولى قضاء القضاة لعهد الخليفة الرشيد وأصبح هو المسيطر على تولية القضاة فى الدولة الإسلامية كان لا يولى قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال أفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه الحنفى، ونظن ظنا أنه كان يوجد فى دمشق أحيانا قاض حنفى بجانب القاضى الأوزاعى، وربما كانا يتداولان الحكم.

وممن تذكرهم كتب التاريخ من قضاة الأحناف قاضى دمشق على (٦) بن محمد بن كاس المتوفى سنة ٣٢٥ للهجرة، ونظن ظنا أن حلب كانت أسرع من دمشق فى الانصياع لمذهب أبى حنيفة


(١) انظر فى الأوزاعى الجزء السابع من طبقات ابن سعد والأنساب للسمعانى ٥٣ وابن خلكان ٣/ ١٢٦ وتاريخ بغداد ١٠/ ١٩٩ وتذكرة الحفاظ ١/ ٥٨ وشذرات الذهب ١/ ١٤١ والنجوم الزاهرة ٢/ ٣٠ ومحاسن المساعى فى مناقب الأوزاعى (طبع القاهرة) صنفه مؤلف مجهول سنة ٨٥٠ وضحى الإسلام ٢/ ٩٨
(٢) طبقات الشافعية للسبكى ١/ ٣٢٦
(٣) انظر فيه وفى أبيه النجوم الزاهرة ٢/ ٢٢، ١١٣، ٢٦٠
(٤) راجع فى ابن حذلم النجوم الزاهرة ٣/ ٣٢٠ وفى السبكى ٣/ ١٩٦: ابن خديم
(٥) تاريخ الفكر الأندلسى لبالنئيا ترجمة الدكتور حسين مؤنس ص ٤١٣، ٤١٧
(٦) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>