للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحكم قربها أكثر من العراق، ومثلها فى ذلك أنطاكية، ويلقانا فيها ابن أبى الفهم (١) التنوخى الأنطاكى المتوفى سنة ٣٤٢ وكان فقيها حنفيّا بارعا. ونلتقى فى حلب بأحمد (٢) بن يحيى بن زهير الحلبى المتوفى سنة ٤٢٤ وله كتاب ذكر فيه الخلاف بين أبى حنيفة وأصحابه من مثل أبى يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى تلميذيه، وأخذ عن ابن زهير المذهب بحلب جد بنى أبى جرادة هبة الله بن أحمد، وتولى القضاء بمدينته، وكانت أسرته على ثراء غير قليل فأكبت على المذهب تدرسه وتتعمقه منذ هبة الله إلى حفيده عمر بن العديم فى القرن السابع كما سنذكر عما قليل.

ونخلص من ذلك إلى أنه كان من الأسباب المهمة فى دخول مذهب أبى حنيفة إلى الشام أن كثيرين من القضاة منذ أواخر القرن الثانى كانوا أحنافا، فأخذ المذهب يشيع، وتكاثر طلاب العلم الذين يبغون اعتناقه، وأخذ يدرسه لهم غير عالم حنفى. ويلقانا المفضل (٣) بن محمد المعرى الحنفى المتوفى سنة ٤٤٤ تلميذ الإمام القدورى الحنفى البغدادى ولى القضاء ببعلبك وناب فى القضاء بدمشق، ومن تصانيفه كتاب فى الرد على الإمام الشافعى. ويلقانا البلاساغونى (٤) محمد بن موسى المتوفى سنة ٥٠٦ مصنف «أصول الفقه» على مذهب أبى حنيفة، ولى قضاء بيت المقدس ودمشق مدة. وكان القضاة قبله فى الشام شافعية وكذلك كان أئمة الجامع الأموى، فحاول أن يقيم فيه إماما حنفيّا، فأغلق أهل دمشق الجامع ولم يمكّنوه وعزل وعاد القضاء فى دمشق إلى الشافعية.

وكانت قد أخذت المدارس تنشأ بالشام وكانت قد أسّست فى دمشق-كما مر بنا-المدرسة الصادرية سنة ٤٩١ ويعدّ ابن شداد من فقهائها حتى سنة ٦٥٨ أحد عشر فقيها حنفيّا، وذكر النعيمى بعده فقهاءها إلى نهاية أيام المماليك. وقد ذكر ابن شداد بجوارها فى دمشق وضواحيها حتى سنة ٦٧٠ أربعا وثلاثين مدرسة للأحناف ويذكر أسماء فقهائها حتى سنة ٦٧٠ ويتابع ذلك النعيمى. ويصنع ابن شداد نفس الصنيع بحلب وما أنشئ فيها من مدارس حنفية منذ أسست فيها المدرسة الزجاجية سنة ٥١٦ وكانت حلب قد أقبلت أكثر من دمشق-على المذهب الحنفى من قديم كما مرّ بنا. واشتهرت فيها أسر بتوارث هذا المذهب مثل أسرة بنى العديم، وعنى نور الدين


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ٣١٠ وتاج التراجم رقم ١٣٥
(٢) انظر ابن زهير فى تاج التراجم رقم ٤١ وقابل بمعجم الأدباء ١٦/ ٥ وما بعدها.
(٣) راجع المفضل فى النجوم الزاهرة ٥/ ٥٢ وتاج التراجم رقم ٢٢٤
(٤) انظر فى البلاساغونى النجوم الزاهرة ٥/ ٢٠٤ والسبكى ١/ ٣٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>