للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمذهب وكان حنيفا وأسس له مدرستين: مدرسة بحلب وأخرى بدمشق سميت كل منهما بالمدرسة النورية. ومضى الأيوبيون بعده يعنون بالمذهب ومدارسه، وكانوا شافعية، وانفرد من بينهم المعظم عيسى صاحب دمشق (٦١٥ - ٦٢٤ هـ‍) باعتناقه المذهب الحنفى وتعمقه فيه، على هدى من أستاذه جمال الدين الحصيرى (١) الذى انتهت إليه رياسة المذهب بدمشق والمتوفى سنة ٦٣٦ وله شرحان على الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيبانى: شرح مفصل فى ثمان مجلدات سماه التحرير، وشرح مختصر فى مجلدين سماه الوجيز، ومع إيجازه زاد فيه ١٦٣٠ مسألة مع الإيضاح بالنظائر والشواهد. وشرح أيضا للشيبانى كتاب السير الكبير وهو فى الأحكام الفقهية المتعلقة بالغزوات والحرب، وله كتاب فى الخلاف بين الشافعية والحنفية، ودفع المعظم للتعمق فى المذهب حتى ألف فيه كتابا (٢). وليس ذلك فحسب، فقد كلّف الحصيرى وفقهاء المذهب بتأليف كتاب جامع فيه، فألفوا كتابا فى عشر مجلدات سموه كتاب التذكرة.

وتظلّ الشام أيام المماليك ويقرر الظاهر بيبرس أن لا يقتصر فى مصر على قاض شافعى كما كان الشأن منذ عهد صلاح الدين، بل يشترك معه فى القضاء قاض حنفى وقاض مالكى وقاض حنبلى وعمم ذلك فى دولته بدمشق وحلب وغيرهما من مدن الشام، واطرد العمل بذلك إلى أيام العثمانيين، فكان من الأسباب المهمة فى ازدهار المذهب الحنفى بديار الشام بجوار ما كان له من مدارس، مما دفع إلى حركة علمية نشيطة فيه، وكان أول من تولى القضاء بدمشق من فقهاء الأحناف حسب قرار بيبرس عبد (٣) الله بن محمد بن عطا الأذرعى المتوفى سنة ٦٧٣، وتوالى القضاة الأحناف فيها بعده، منهم شمس الدين الأذرعى المتوفى سنة ٧٢٢ ولى قضاء دمشق عشرين سنة ودرّس طويلا بمدارسها الحنفية. وتتكاثر أسماء القضاة والفقهاء الأحناف فى كتب التاريخ والتراجم، وحسبنا أن نعرف أن نشاطا وافرا أداه فقهاء الأحناف فى ديار الشام بالحقب التالية. وظل هذا النشاط أيام العثمانيين، ولبرهان (٤) الدين الحلبى المتوفى سنة ٩٥٦ كتاب ملتقى


(١) راجع فى الحصيرى الفوائد البهية فى طبقات الحنفية ٨٤ والجواهر المضية لابن أبى الوفا ٢/ ١٥٥ وتاج التراجم رقم ٢٠٨ والبداية والنهاية ١٣/ ١٥٢ والنجوم الزاهرة ٦/ ٢١٣
(٢) انظر فى المعظم عيسى ونشاطه فى الفقه الحنفى مختصر مرآة الزمان ٤٢٦
(٣) انظر فى الأذرعى النجوم الزاهرة ٧/ ٢٤٦ والسلوك للمقريزى ١/ ٦١٩
(٤) راجع فى برهان الدين دائرة المعارف الإسلامية وبروكلمان (الطبعة الألمانية) ٢/ ٤٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>