للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسة وأربعين عاما، ومر بنا ذكره بين المحدثين، وكان إماما مجتهدا واسمه يتردد فى كتب الفقه الشافعى بعده وكذلك آراؤه، ومن أهم مصنفاته فى فقه الشافعية منهاج الطالبين لخص به كتاب المحرّر للرافعى القزوينى، واختصر المنهاج فيما بعد الشيخ زكريا الأنصارى، وسمى مختصره المنهج، وصنف النووى فى فتاويه الفقهية كتابين: كبير وصغير. ومن فقهاء الشافعية الكبار فى زمنه وبعد زمنه علاء (١) الدين الباجى المتوفى سنة ٧١٤ وكمال الدين محمد الزّملكانى حفيد عبد الواحد الذى ذكرناه بين البلاغيين توفى سنة ٧٢٧. وتفيض كتب التراجم والتاريخ بأسماء جلّة من هؤلاء الفقهاء، ولا بد أن نلاحظ أن كثيرين من فقهاء الشافعية الكبار بمصر كانوا ينزلون فى الشام مثل تقى الدين السبكى قاضى قضاة الشام وابنه تاج الدين عبد الوهاب خطيب الجامع الأموى مؤلف طبقات الشافعية، ويظل المذهب الشافعى مزدهرا بالشام أيام المماليك والعثمانيين.

وكان المذهب الحنبلى فى الشام أقل أشياعا وأنصارا من المذهب الشافعى والحنفى، ومن أوائل من أدخلوه إلى دمشق والشام علم من أعلام المذهب الحنبلى هو أبو القاسم الخرقىّ عمر (٢) بن الحسين المتوفى بدمشق سنة ٣٣٤ وكان قد استوطنها بأخرة من عمره ودرس المذهب فيها، وله كتاب دوّت شهرته هو «المختصر» فى الفقه الحنبلى، ظل طلاب المذهب يعتمدون عليه طويلا، ويقال إن عدد مسائله بلغ ٢٣٠٠ مسألة. وظل المذهب لا ينتعش فى ديار الشام حتى قيّض له فى القرن الخامس أبو الفرج (٣) الشيرازى المقدسى الدمشقى المتوفى سنة ٤٨٦ وكان قد تفقه فى بغداد على أبى يعلى صاحب طبقات الحنابلة، وقدم الشام فسكن بيت المقدس ونشر مذهب الإمام أحمد بن حنبل فيما حوله من بلدان فلسطين، ثم انتقل إلى دمشق وأقام بها وأخذ ينشر المذهب حتى أصبح له أتباع وتلامذة كثيرون لا فى دمشق فحسب بل أيضا فى بيت المقدس وغيرهما من بلدان الشام، وله تصانيف عدة فى الفقه الحنبلى والأصول، منها: المبهج والإيضاح، ومختصر فى الحدود وفى أصول الفقه، والتبصرة فى أصول الدين، وله كتاب الجواهر فى التفسير ثلاثون


(١) انظر فى علاء الدين الباجى الدرر الكامنة ٣/ ١٧٦ وطبقات الشافعية للسبكى ١٠/ ٣٣٩ وفوات الوفيات ٢/ ١٥٠ وحسن المحاضرة ١/ ٥٤٤ والشذرات ٦/ ٣٤
(٢) انظر فى الخرقى تاريخ بغداد ١١/ ٢٣٤ وطبقات الحنابلة لابن أبى يعلى ٣٣١ والأنساب للسمعانى ١٩٥ وابن خلكان ٣/ ٤٤١ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٨٩
(٣) ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (طبعة دمشق) ١/ ٨٥ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>