التاريخ منذ القرن الثالث قبل الميلاد، متخذة بطرا عاصمة لها جنوبية. واستطاعت فى مطالع القرن الأول قبل الميلاد أن توسع حدودها شمالا حتى منطقة حوران وجبل الدروز، متخذة بصرى بالقرب من دمشق عاصمة لها شمالية. ويذكر المؤرخون أنه فى سنة ٨٥ قبل الميلاد احتل الملك الحارث الثانى النبطى دمشق وغوطتها الخصبة، وبذلك بلغت هذه الدولة ذروة مجدها السياسى، إذ كانت تضم شمالى الجزيرة العربية وشرقى الأردن وجنوبى فلسطين وسوريا الجنوبية، ولم يلبث الرومان أن قضوا عليها فى مطالع القرن الثانى للميلاد. والأنباط عرب كانوا يتكلمون العربية فى حياتهم اليومية، فهم عرب أصلاء، ولا ريب فى أن أنحاء من الشام وخاصة تلك التى سيطروا عليها أخذت تتعرب وتنطق بالعربية لعهدهم. وقد أخذوا عن الآراميين أبجديتهم وكتبوا بها نقوشهم وكلماتها العربية، ومضى خطهم يتطور فى بيئتهم وشمالى الحجاز حتى بعد زوال دولتهم، إلى أن نشأ عنه الخط العربى الذى كتب به القرآن الكريم والذى يتداوله العرب إلى اليوم.
والدولة العربية الثانية تدمر أقامتها القبائل العربية الشمالية بعد سقوط دولة الأنباط داخل بادية السماوة شمالى الجزيرة العربية بين الشام والعراق، متخذين منها مركزا كبيرا للتجارة مع بلدان البحر المتوسط وبلدان فارس والهند والصين. وبلغت هذه الإمارة أوج مجدها فى منتصف القرن الثالث الميلادى لعهد أذينة الذى بسط سلطانه على الشام، مما أتاح للقبائل العربية فى دولته التغلغل فى ديارها، وكان عاملا فى تعرب بعض سكانها حينئذ، غير أن الرومان لم يلبثوا أن قضوا على تلك الدولة فى عهد الزباء زوجة أذينة. وبذلك انكمش ثانية التأثير اللغوى العربى فى ديار الشام.
على أنه سرعان ما استعاد هذا التأثير فاعليته فى عهد الدولة العربية الثالثة: دولة الغساسنة، وقد أخذت فى الظهور مع سقوط تدمر، ويرجع النسابون بالغساسنة إلى اليمن وأن قبيلتهم فارقته بعد خراب سدّ مأرب، واستقرت فى شرقى الأردن. وشقت-فيما بعد-طريقها شمالا إلى حوران، واصطدمت فى تلك الأنحاء بقبيلة عربية تسمى الضجاعم تمت لها الغلبة عليها، وكانت تتجول فى هذه المنطقة الواسعة مع إعلان ولائها للدولة البيزنطية. ويقول النسابون إن جدها الأعلى كان يسمى جفنة بن عمرو مزيقياء، ولذلك يسمى النسابون الغساسنة أحيانا باسم آل جفنة. وقد اعتنقوا المسيحية منذ القرن الرابع للميلاد، مما يدل على عمق صلتهم وامتزاجهم بأهل الشام المسيحيين. وتاريخ ملوكهم غامض، وأهمهم الحارث بن جبلة (٥٢٨ - ٥٦٩ م.) وقد منحته الدولة البيزنطية لقب فيلارك أى شيخ القبائل وأميرها، كما منحته لقب البطريق وهو أعظم