للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى كرمان وشيراز فى فارس وهراة فى أفغانستان وكلما ألم ببلد مدح أمراءها ووزراءها حتى وفاته فهو شاعر جوّال، وله أشعار كثيرة رائعة فى المديح وغير المديح، وله فى ابن مكرم وزير كرمان مدائح بديعة من مثل قوله (١):

ما دعوناه من بنى الدّهر إلا ... أهّل الدّهر نفسه للتّهانى

جمع الأسد والكواكب والأب‍ ... حر والناس منه فى إنسان

واستجابت له مناقب شتّى ... لم تجل فى خواطر الإمكان

ويتنبه البطل المغوار أتابك الموصل عماد الدين زنكى منذ أوائل العقد الثالث من القرن السادس الهجرى إلى أن تخاذل المسلمين أمام حملة الصليب مرجعه إلى تفرق البلدان الإسلامية المجاورة لهم وأنه لا بد من جمع كلمتها تحت لواء واحد. ويستولى على حلب وبعض بلدان سوريا الشمالية، وما توافى سنة ٥٣٤ للهجرة حتى يسوق إلى الصليبيين جيشا جرارا بقيادته، وينازلهم بالقرب من حماة ويعصف بجموعهم، ويستولى على حصن بارين بين حماة وحلب. وكأنما استيقظ الشعر حينئذ من سباته الطويل. ويتبارى الشعراء فى مديحه والإشادة بانتصاره، وفى مقدمتهم ابن منير والقيسرانى. ولم يلبث فى سنة ٥٣٩ أن فتح مدينة الرّها مزيلا منها جوسلين ودولته الصليبية إلى غير رجعة، وهلل الشعراء فى كل مكان لهذا الفتح المبين، وفيه يقول ابن منير (٢):

فتح أعاد على الإسلام بهجته ... فافترّ مبسمه واهتزّ عطفاه

أين الخلائف عن فتح أتيح له ... مظلّل أفق الدنيا جناحاه

ومضى ابن منير فى القصيدة يعلى-بحق-هذا الفتح على فتح المعتصم لعمّورية أكبر مدن آسيا الصغرى فى زمنه، فقد قضى زنكى على المملكة الرابعة لحملة الصليب، وكانوا قد أسسوها شمالى العراق. وبدا حينئذ-فى الأفق-أمل كبير فى أن ممالكهم التى أسسوها فى أنطاكية وطرابلس وبيت المقدس لا بد أن تسقط فى أيدى المسلمين مهما طال الزمن.

وامتدت إلى عماد الدين سنة ٥٤١ يد آثمة فى الظلام ففتكت بالبطل الباسل، وحمل الراية بعده ابنه نور الدين ومضى يجاهد الصليبيين، وغرّت الأمانى جوسلين فعاد إلى الرّها، واستردها


(١) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٥١
(٢) الروضتين لأبى شامة ١/ ٣٩ وانظر مفرج الكروب لابن واصل تحقيق الدكتور الشيال ١/ ٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>