للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو ممدوح فتيان الشاغورى دبّج فيه مدائح كثيرة. وحرى بنا أن نذكر ملوك حماة الأيوبيين، وكانوا ممدّحين. وممن أسبغ عليهم مدائحه الصاحب شرف الدين عبد العزيز الأنصارى، وله فى صاحبها المظفر محمود (٦٢٦ - ٦٤٢ هـ‍) وابنه المنصور سيف الدين محمد (٦٤٢ - ٦٨٣ هـ‍) مدائح كثيرة، وكان للثانى موقف محمود حين أحس بأن التتار سيغزون الشام إذ التجأ بأسرته إلى مصر حتى إذا التحم القتال بين المصريين والتتار فى عين جالوت كان فى مقدمة المحاربين البسلاء، ونوّه الصاحب الأنصارى بهذا الموقف الشجاع طويلا بمثل قوله (١):

بعين جالوت خضت بحر وغى ... يخال فلكا بالأسد مشحونا

وكنت للجيش غرّة شدخت ... أنوفهم فانثنوا مولّينا

وطوال أيام المماليك كان يرتفع صوت الشعر للتنويه بأعمالهم. وكان لانتصاراتهم على التتار أو المغول بعد موقعة عين جالوت حظ كبير من الشعر، ومرّ بنا فى قسم مصر أن الظاهر بيبرس كان دائما يتعقبهم فى الموصل وعلى شواطئ الفرات وسمع بحشود لهم على شاطئه الشرق فخاض إليها لججه وخاضها جيشه معه ومزقهم شر ممزّق، وفى هذه الغزوة يقول الموفق عبد الله الأنصارى الدمشقى (٢).

الملك الظاهر سلطاننا ... نفديه بالأموال والأهل

اقتحم الماء ليطفى به ... حرارة القلب من المغل

ولم يستول الظاهر بيبرس ولا قلاوون ولا الأشرف خليل على حصن أو بلد من حملة الصليب إلا وجلجل الشعر، حتى إذا أنهى الأشرف خليل الحروب الصليبية باستيلائه على عكا آخر حصونهم أخذ شعر المديح فى الشام يتحوّل إلى شعر مناسبات لمديح الحكام حين يستولون على أزمة الأمور أو حين تمر بهم بعض الأعياد أو بعض الأحداث.

ويظل الشعراء أيام العثمانيين يقدمون مدائحهم للحكام، وكان شعراء الشام حينئذ قريبين من إستامبول وكانوا لا يزالون غادين عليها رائحين، مما جعلهم يكثرون من مديح سلاطينهم، على نحو


(١) الديوان (بتحقيق عمر موسى-نشر مجمع اللغة العربية بدمشق) ص ٤٧٥
(٢) النجوم الزاهرة ٧/ ١٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>